اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡيَا فَعِندَ ٱللَّهِ ثَوَابُ ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۚ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا} (134)

يجُوز في " مَنْ " وجهان :

أظهرهما : أنها شرطيَّة ، وجوابُها قوله : " فعند الله " ، ولا بد من ضميرٍ مقدَّرٍ في هذا الجواب يعُودُ على اسم الشَّرْطِ ؛ لما تقرر قبل ذلك ، والتقدير : فعند الله ثوابُ الدنيا والآخرِة له إن أراده ، وهذا تقدير الزَّمَخْشَرِيِّ{[10033]} ، قال [ الزمخشري ]{[10034]} " حتَّى يتعلقَّ الجزاءُ بالشَّرْطِ " .

وأوردهُ ابن الخِطِيب{[10035]} على وَجْه السُّؤال قال :

فإن قيل : كَيْفَ دخلتِ الفاءُ في جواب الشَّرْط ، وعنده - تعالى - ثوابُ الدُّنْيَا والآخِرِة ، سواءً حصلت هذه الإرادة أم لا .

قلنا : تقدير الكلام : فعند الله ثوابُ الدُّنْيَا والآخِرَة له إن أرَادَهُ ، وعلى هذا التَّقْدِير يتعلَّق الجَزَاءُ بالشَّرْط .

وجَوَّز أبو حيَّان - وجعله الظَّاهر - أنَّ الجواب مَحْذُوفٌ ، تقديره : من كان يريد ثواب الدُّنيا فلا يَقْتَصِر عليه ، وليَطْلُبِ الثَّوابَيْن ، فعند الله ثوابُ الدَّارَيْن .

والثاني : أنها موصولةٌ ودخلت الفاءُ في الخَبَر ؛ تشبيهاً له باسم الشَّرْط ، ويُبْعِده مُضِيُّ الفِعْلِ بعده ، والعائدُ مَحْذُوفٌ ؛ كما تقرَّر تَمْثِيلُه .

فصل

ومعنى الآية : أن هؤلاء الَّذِين يُريدُون بِجِهَادِهم الغَنِيمَة فقط مُخْطِئون{[10036]} ؛ لأنَّ عند اللَّه [ ثَوَابَ ]{[10037]} الدُّنيا والآخِرَة ، فلم اكْتَفَى بطلَبِ ثَوَابِ الدُّنْيا ، مع أنه كَانَ كالعَدَمِ بالنِّسْبَة إلى ثَوَاب الآخِرَة ، ولو كان عَاقِلاً ، لطلب ثواب الآخِرَة ؛ حتى يَحْصُل له ذلك ، ويَحْصُل له ثوابُ الدُّنْيَا تَبَعاً .

قال القُرْطُبِيُّ{[10038]} : من عَمِل بما افْتَرَضَهُ [ اللَّه ]{[10039]} عليه طلباً للآخِرَة ، آتاه اللَّه ذلك في الآخِرَة ، ومن عمل طَلَباً للدُّنْيَا ، آتاه ما كُتِب{[10040]} له في الدُّنْيَا ، وليس لَهُ في الآخِرَة من نَصِيبٍ ؛ لأنه عَمِل لغير اللَّه لقوله - تعالى - : { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ } [ هود : 16 ] وهذا على أن يكون المُرَاد بالآية : المُنافِقُون والكُفَّار ، { وكان اللَّه سَمِيعاً بَصِيراً } : يسمع كَلاَمهُم أنهم لا يَطْلُبون من الجِهَاد سِوَى الغَنِيمَةِ ، ويرى أنَّهم لا يَسْعوْن في الجِهَاد ، ولا يَجْتَهِدُون فيه ، إلا عِنْد توقُّعِ الفَوْزِ بالغنيمَةِ ، وهذا كالزَّجْرِ عن{[10041]} هَذِه الأعْمَالِ .


[10033]:ينظر: الكشاف 1/574.
[10034]:ينظر: المصدر السابق.
[10035]:ينظر: تفسير الرازي 11/57.
[10036]:في ب: يحبطون.
[10037]:سقط في أ.
[10038]:ينظر: تفسير القرطبي 5/263.
[10039]:سقط في أ.
[10040]:في ب: كسب.
[10041]:في ب: من.