اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ} (51)

قوله تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا . . . . } الآية . في كيفية النظم وجوه :

الأول : أنه تعالى لما ذكر وقاية الله موسى عليه الصلاة والسلام{[48327]} ، وذلك المؤمن من مكر فرعون مَنَّ{[48328]} في هذه الآية بأنه ينصر رسله والذين آمنوا معه .

الثاني : لما بين من قبل تَخَاصُم أهلِ النار ، وأنهم عند الفزع إلى خزنة جهنم يقولون : ألم تك تأتيكم رسلكم بالبينات أتبع ذلك الرسل وأنه ينصرهم في الدنيا والآخرة .

الثالث : قال ابن الخطيب : وهو الأقرب عندي أن الكلام في أول السورة إنما وقع من قوله : إنما يُجَادِلُ في آيَات اللهِ الذين كفروا فلا يغرنك تقلّبهم في البلاد . وأصل الكلام في الرد على أولئك المجادلين وعلى أن المحقين أبداً مشغولين بدفع كيد المبطلين ، وكل ذلك إنما ذكره الله تعالى تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم وتصبيراً له على تحمل الأذى من قومه{[48329]} .

ولما بلغ الكلام في تقرير هذا المطلوب إلى الغاية القصوى وعد تعالى بأن ينصر رسوله على أعدائه تعالى فقال : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا والذين آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا } . قال ابنُ عباس رضي الله عنهما : بالغلبة والقهر ، وقال الضَّحَّاك : بالحُجَّة ، وفي الآخرة بالانتقام من الأعداء وبإعلاء درجاتهم في مراتب الثواب ، وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين ، فهم منصورون بالحجة على من خالفهم ، وأهلك أعداءهم{[48330]} بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم ، كما نصر يحيى بن زكريا لما قُتِلَ فقَتَلَ به سبعين ألفاً .

قوله : { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } قرأ الجمهور يَقُوم بالياء من أسفلَ ، وأبو عمرو في رواية المنقريّ{[48331]} عنه وابن هُرْمز وإسماعيل{[48332]} بالتاء من فوق لتأنيث الجماعة{[48333]} .

والأشهاد يجوز أن يكون جمع «شَهيدٍ » كشَرِيفٍ وأشْرَافٍ ، وهو مطابق لقوله : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ } [ النساء : 41 ] وأن يكون جمع «شاهد » كصَاحِب ، وأصْحاب ، وطَائر ، وأطيار ، قال المبرد وهو مطابق لقوله : { إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً } [ الأحزاب : 45 ] .

واعلم أن قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَقُومُ الأشهاد } فيه دقيقة لطيفة ، وهي أن السلطان العظيم إذا آثر بعض خواصه بالإكرام العظيم عند حضور الجمع من أهل المشرق والمغرب كان ذلك{[48334]} أتمّ وأبهج . وعنى بالأشهاد كل من شهد بأعمال العباد يوم القيامة من ملك ونبي ومؤمن . أما الملائكة فهم الكرام الكاتبون يشهدون على الرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب . وأما الأنبياء فقال تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيداً } [ النساء : 41 ] ، وأما المؤمنون فقال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى الناس } [ البقرة : 143 ] .


[48327]:في ب صلوات الله وسلامه عليه.
[48328]:كذا في النسختين ولعل مقصوده بين كما في الرازي وانظر تفسير الرازي 27/74، 75.
[48329]:الرازي 27/75.
[48330]:في البغوي منصورون بالحجة على من خالفهم وقد نصرهم اله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام، البغوي 6/97.
[48331]:هو عبد الله بن عمرو بن الحجاج أبو معمر المنقري التميمي اهتم بحرف أبي عمرو ضابط له، روى القراءة عن عبد الوارث وعنه أحمد بن علي بن هاشم، وأحمد بن يزيد الحلواني وغيرهما مات سنة 224. انظر غاية النهاية 1/439
[48332]:إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد أبو إسحاق الأزدي البغدادي ثقة مشهور كبير، روى القراءة عن قالون وعبد الرحمن بن سهل وعنه ابن مجاهد، وابن الأنباري مات سنة 282 هـ. انظر غاية النهاية 1/162.
[48333]:وانظر معاني الفراء 3/10 والكشاف 2/432 ولم أجدها في المتواتر وهي شاذة نسبها صاحب شواذ القرآن إلى الأعرج 213.
[48334]:كذا في الرازي وفي النسختين: آكد.