اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَرَىٰهُمۡ يُعۡرَضُونَ عَلَيۡهَا خَٰشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرۡفٍ خَفِيّٖۗ وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ أَلَآ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ فِي عَذَابٖ مُّقِيمٖ} (45)

ثم ذكر حالهم عند عرض النار . قوله : «يُعْرَضُونَ » حال ، لأن الرؤية بصرية ، و«خَاشِعِينَ » حال والضمير في «عَلَيْهَا » يعود على النار لدلالة العذاب عليها .

وقرأ طلحة : من الذِّلِّ بكسر{[49480]} الذال وقد تقدم الفرق بين الذَّل والذِّل{[49481]} و«مِنْ الذُّلِّ » يتعلق بخاشعين ِأي من أجل . وقيل : هو متعلق بينظرون{[49482]} . وقوله : «مِنْ طَرَفٍ » يجوز في «مِنْ » أن تكون لابتداء{[49483]} الغاية ، وأن تكون{[49484]} تبعيضية وأن تكون بمعنى الباء{[49485]} ، والظرف قيل : يراد به العضو وقيل : يراد به المصدر يقال : طرفت عينه تطرف طرفاً أي ينظرون نظراً خفيًّا{[49486]} .

فصل

اعلم أنه ذكر حالهم عند عرضهم على النار ، فقال : خاشعين أي خاضعين حقيرين بسبب ما لحقهم من الذل يسارقون النظر إلى النار خوفاً منها وذلة في أنفسهم ، كما ينظر المقتول إلى السيف فلا يقدر أن يملأ عينيه منه ، ولا يفتح عينه إنما ينظر ببعضها ، وإذا كانت من بمعنى الباء أي بطرف خفي ضعيف من الذل .

فإن قيل : إنه قال في صفة الكفار : إنهم يحشرون عمياً فكيف قال هاهنا إنهم ينظرون من طرفٍ خفي ؟ ! فالجواب : لعلهم يكونون في الابتداء هاهنا{[49487]} ثم يصيرون عمياً ، أو لعل هذا في قوم وذاك في قوم آخرين . وقيل : معنى ينظرون من طرفٍ خفيٍّ أي ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً والنظر بالقلب خفيّ .

ولما وصف الله تعالى حال الكفار حكى ما يقوله المؤمنون فيهم فقال : { وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة } وقيل : خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار وأهليهم بأن صاروا لغيرهم إلى الجنة . وهذا القول يحتمل أن يكون واقعاً في الدنيا ، وإما أن يقولوه يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة ، ثم قال : { أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } أي دائم . قال القاضي : هذا يدل على أن الكافر والفاسق يدوم عذابهما والجواب : أنّ لفظ الظالم المطلق في القرآن مخصوص بالكافر قال تعالى : { والكافرون هُمُ الظالمون } [ البقرة : 254 ]

/خ46


[49480]:البحر المحيط 7/524.
[49481]:والذل هو ضد العز والذل فهو للحيوان.
[49482]:انظر الكشاف 3/474.
[49483]:قال الزمخشري أن يبتدئ نظرهم من تحريك لأجفانهم السابق.
[49484]:نقله أبو حيان وعنه نقل السمين وعنه نقل المؤلف عن قتادة. البحر المحيط 7/524.
[49485]:نقله الأخفش في معانيه عن يونس، قال: وقال يونس إن "من طرف" مثل بطرف كما تقول العرب: ضربته في السيف وبالسيف" معاني الأخفش 687.
[49486]:البحر المحيط 7/524 والدر 4/765.
[49487]:في ب بدل ههنا هكذا، وكذا هي في الرازي.