اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَرَءَيۡتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلۡمٖ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمۡعِهِۦ وَقَلۡبِهِۦ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِۦ غِشَٰوَةٗ فَمَن يَهۡدِيهِ مِنۢ بَعۡدِ ٱللَّهِۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23)

قوله : «أفَرَأْيت » بمعنى أخبرني وتقدم حكمها{[50695]} مشروحاً ، المفعول الأوّل من اتخذ والثاني محذوف ، تقديره : بعد غشاوة أيهتدي ؟ ودل عليه قوله : «فَمَنْ يَهْدِيهِ » .

وإنما قدرت بعد غشاوة ، لأجل صلات الموصول{[50696]} . واعلم أنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفار ، وقبائح طرائقهم فقال : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ } قال ابن عباس والحسن وقتادة : وذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئاً إلا ركبه ، لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه .

وقرئ «آلِهَتَهُ »{[50697]} هواه ، لأنه كلما مال طبعه إلى شيء اتبعه والمعنى اتخذ معبوده هواه ، فيعبد ما تهواه نفسه . قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة فإذا وجدوا شيئاً أحسن من الأول رَموه وكسروه وعبدوا الآخر . قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يَهوِي بصاحبه في النار{[50698]} . قوله : «عَلَى عِلْمٍ » حال من الجلالة أي كَائِناً عَلَى عِلْمٍ منه بعاقبة أمره أنه أهل لذلك{[50699]} .

وقيل : حال من المفعول ، أي أضله وهو عالم ، وهذا أشنع لَهُ . وقرأ الأَعرجُ{[50700]} : آلِهَةً على الجمع ، وعنه كذلك مضافة لضميره آلهته هواه{[50701]} .

قوله : { وختم على سمعه وقلبه } يسمع الهوى وقلبه لم يعقل الهدى وهو المراد من قوله{[50702]} : { خَتَمَ الله على قُلُوبِهمْ وعلى سَمْعِهِمْ وعلى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [ البقرة : 7 ] وقد تقدم .

قوله : «غشاوة » قرأ الأخوان غَشْوَةً بفتح الغين ، وسكون الشين{[50703]} . والأعمش وابن مِصْرف كذلك إلا أنهما كسرا الغين{[50704]} . وباقي السبعة غِشاوة بكسر{[50705]} الغين . وابن مسعود والأعمش أيضاً بفتحها{[50706]} وهي لغة ربيعة والحسن وعكرمة . وعبد الله أيضاً بضمها ، وهي لغة محكيَّة{[50707]} وتقدم الكلام في ذلك في أول سورة البقرة ، وأنه قرئ هناك بالعَيْن المُهْملة{[50708]} .

قوله : { فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله } أي من بعد إضلال الله إياه . وقال الواحدي : ليس يبقى لِلْقدرية مع هذه الآية عذر ولا حيلة ؛ لأن الله تعالى صرح منعه إياهم عن الهدى بعد أن أخبر أنه ختم على سمع هذا الكافر وقلبه وبصره{[50709]} . ثم قال : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } قرأ العامة بالتشديد ، والجَحْدريّ بتخفيفها والأعمش تتذكرون بتاءين{[50710]} .


[50695]:قال الجمل على الجلالين: "استعمال أرأيت في الإخبار مجاز أي أخبروني عن حالتكم العجيبة ووجه المجاز أنه لما كان العلم بالشيء سببا للإخبار عنه أو الإبصار به طريقا إلى الإحاطة به علما وإلى صحة الإخبار عنه استعملت الصيغة التي لطلب العلم أو لطلب الإبصار في طلب الخبر لاشتراكهما في الطلب ففيه مجاز". وانظر حاشية الجمل على الجلالين 2/28.
[50696]:انظر البحر المحيط 8/48 والدر المصون 4/839.
[50697]:في الرازي آلهته هواه وفي الكشاف آلهة هواه وهي قراءة شاذة. انظر الرازي 27/268 والكشاف 3/512.
[50698]:انظر القرطبي 16/167.
[50699]:ذكر الوجه الأول الكشاف 3/512 والثاني أبو حيان في البحر 8/49.
[50700]:في أ الأعمش وفي ب الأعرج وهو الأصح.
[50701]:وقد روى هذه القراءة ابن خالويه في المختصر عن أبي جعفر ولم ترو عنه في المتواتر. انظر المختصر 138، وانظر أيضا شواذ القرآن (221).
[50702]:في ب قولهم تحريف.
[50703]:هي من القراءات المتواترة وهي قراءة ابن وثاب أيضا. وانظر السبعة 595 ومعاني الفراء 3/48 وحجة ابن خالويه 246، والكشف لمكي 2/269.
[50704]:من القراءات الشاذة انظر مختصر ابن خالويه 138.
[50705]:مختصر ابن خالويه السابق.
[50706]:انظر السبعة والكشف السابقين.
[50707]:ذكرت في البحر المحيط 8/49 والكشاف 3/512 بدون نسبة وهي شاذة.
[50708]:رويت عن طاووس هنا وفي البقرة أيضا مختصر ابن خالويه 138.
[50709]:الرازي 27/269.
[50710]:انظر البحر المحيط 8/49.