قوله تعالى : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ } تقدم نظيره في سورة{[50622]} إبراهيمَ ، قال ابن عباس : رضي الله عنهما المراد بالَّذِينَ آمنوا عمرُ بنُ الخطاب رضي الله عنه يَغْفِرُوا . لاَ يَرْجَونَ أَيَّامَ اللهِ يعني عَبْد الله بْنَ أُبَيِّ ، وذلك أنهم نزلوا في غَزَاةِ بني المصْطَلَق على بئرٍ يقال لها : المريسيع فأرسل عبد الله غلامه ليستقي الماء ، فأبطأ عليه ، فلما أتاه ، قال له : ما حَبَسَك ؟ فقال{[50623]} : غُلام عمر قعد على طَرف البئر ، فما ترك أحداً يستقي حتى ملأ قُرَبَ النبي ، وقُرَبَ أبي بكر ، فقال عبد الله بن أُبَيِّ : مِثْلُنا ومِثْلُ هؤلاء إلا كما قيل : سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأكُلْكَ ، فبلغ ذَلِكَ عُمَر ، فاشتمل بسيفه ، يريد التوجه ( له ){[50624]} فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقال مقاتل : إنَّ رَجُلاً من بني غِفار شتم عُمَرَ بْنَ الخَطَّاب ( رضي الله عنه ){[50625]} بمكَّةَ ، فهم عمر أن يَبْطِشَ به ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وأمره بالعفو والتَّجَاوز ، وروى مَيْمُونُ بْنُ مهرانَ أَن فِنحاصَ اليهوديَّ لما نزل قوله تعالى : { مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ الله قَرْضاً حَسَناً } [ البقرة : 245 ] قال : احتاجَ رَبّ محمَّد ، فسمع ذلك عُمَرُ ، فاشتمل على سيفه ، وخرج في طلبه فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليه فردَّه . وقال القُرظِيُّ والسُّدِّيُّ : نزلت في ناسٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة كانوا في أذًى كثير من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فَشَكَوْا ذَلِكَ إلى رسول الله صلى الله علهي وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ثم نَسَخَتْهَا آيةُ القِتَال{[50626]} .
قال ابن الخطيب : وإنما قالوا بالنسخ ، لأنه يدخل تحت الغفران أن لا يَقْتلُوا ولا يقاتِلوا ، فلما أمروا بالمقاتلة كان نسخاً . والأقرب أن يقال : إنه محمول على ترك المنازعة ، وعلى التجاوز عما يصدر عنهم من الكلمات المؤذية{[50627]} وقوله : { لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ الله } قال ابن عباس : لا يرجون ثواب الله ولا يخافون عقابه ولا يخشون مثل عذاب الأمم الخالية{[50628]} وتقدير تفسير «أيام الله » عند قوله : { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ الله } [ إبراهيم : 5 ] .
قوله : { لِيَجْزِيَ قَوْماً } قرأ ابن عامر والأَخَوَانِ : لنَجْزِي{[50629]} بنون العظمة ، أي لنَجْزي نَحْنُ{[50630]} . وباقي السبعة ليَجْزِي بالياء من تحت مبنياً للفاعل ؛ أي ليجزي اللهُ . وأبو جعفر بخلاف عنه وشبيةُ وعَاصمٌ في رواية كذلك إلا أنه مبني للمفعول هذا مع نصب «قوماً »{[50631]} . وفي القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه :
أحدها : ضمير المفعول الثاني ، عاد الضمير عليه لدلالة السِّياق تقديره : ليجزي هو أي الخير قوماً والمفعول الثاني من باب أعطى ، بقوم مقام الفاعل بلا خلافٍ ، ونظيرهن : الدِّرْهَمَ أُعْطِيَ زَيْداً{[50632]} .
الثاني : أن القائم مقامه ضمير المصدر المدلول عليه بالفعل ، أي ليُجْزَى الجَزَاءَ{[50633]} . وفيه نظر ؛ لأنه لا يترك المفعول به ، ويقام المصدر ، لا سيما مع عدم التصريح به .
الثالث : أن القائم مقامه الجار والمجرور{[50634]} ، وفيه حجة للأخفش والكوفيين حيث يجيزون نيابة غير المفعول به مع وجوده وأنشدوا :
4441 . . . . . . . . . . . . . . . *** لَسُبَّ بِذَلِكَ الجِرْوِ الكِلاَبَا{[50635]}
4442 لَمْ يُعْنَ بالْعَلْيَاءِ إلاَّ سَيِّدَا{[50636]} *** . . .
المعنى لكي نجازي بالمغفرة قوماً يعملون الخير .
فإن قيل : ما الفائدة من تنكير «قَوْماً » مع أن المراد بهم المؤمنون المذكورون في قوله : { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُواْ يَغْفِرُواْ } ؟
فالجواب : أن التنكير بدل على تعظيم شأنهم ، كأنه قيل : ليجزِي قَوْماً وأَيّ قوم قوماً من شأنهم الصَّفْحُ عن السّيئات ، والتجاوز عن المؤذيات ، وتجرع المكروه ، كأنه قيل : لا تكافئوهم أنتم حتى نُكَافِئَهُمْ نحن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.