اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٖ جَاثِيَةٗۚ كُلُّ أُمَّةٖ تُدۡعَىٰٓ إِلَىٰ كِتَٰبِهَا ٱلۡيَوۡمَ تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ} (28)

وثانيها : قوله : { وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } الظاهر أن الرؤية بصرية فيكون «جاثية » حال{[50726]} قال الليث : الجَثْوُ الجُلُوسُ على الركب كالجِثِيّ بين يَدَي الحَاكِمِ{[50727]} ، وذلك لأنها خائفة والمذنب مُسْتَوْفِزٌ{[50728]} . وقيل : مجتمعة ، ومنه الجُثْوَةُ للقبر لاجتماع الأحجار عليه ، قال ( الشاعر ){[50729]} ( رحمه{[50730]} الله ) :

4446 تَرَى جُثْوَتَيْنِ مِنْ تُرَابٍ عَلَيْهِمَا *** صَفَائِحُ صُمٌّ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضَّدِ{[50731]}

قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[50732]} جاثية مجتمعة مرتقبة لما يعمل بها{[50733]} . قال الزمخشري وقرئ : جاذية{[50734]} بالذال المعجمة قال : والجَذْوُ أشد من الجَثْوِ ، لأن الجَاذِي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه ، وهو أشد استيفازاً من الجاثِي{[50735]} .

قوله : «كُلُّ أمة » العامة على الرفع بالابتداء ، و«تُدْعَى » خبرها . ويعقوب بالنصب{[50736]} على البدل من «كُلَّ أمَّة » الأولى ، بدل نكرة موصوفة من مثلها .

قوله : إلَى كِتَابِهَا «أي إلى صحائف أعمالها ، فاكتفي باسم الجنس كقوله تعالى بعد ذلك : { فَأَمَّا الذين آمَنُواْ } . قال سلمان الفارسي : إن في القيامة ساعةً هي عشرُ سنين ، يَخِرُّ الناس فيها جثاةً على ركبهم ، حتى إبراهيم ينادي ربه لا أسألك إلا نفسي .

قوله : «الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ » هذه الجملة معمولة لقول مضمر ، التقدير : يقال لهم اليومَ تُجَزونَ و «الْيَوْمَ » معمول لما بعده و «مَا كنْتُمْ » هو المفعول الثاني{[50737]} .

فإن قيل : الجثْو على الركب إنما يليق بالخائف ، والمؤمنون لا خوف عليهم يوم القيامة !

فالجواب : أن الجاثي الآمن قد يشارك المبطل في مثل هذه الحالة ( إلى ){[50738]} أن يظهر كونه محقاً .

فإن قيل : كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله تعالى ؟

فالجواب : لا منافاة بين الأمرين ، لأنه كتابهم ، بمعنى أنه الكتاب المشتمل على أعمالهم ، وكتاب الله بمعنى أنه هو الذي أمر الملائكة بكتبه .


[50726]:الدر المصون السابق أيضا.
[50727]:انظر غريب القرآن 405 والمجاز 20/210 واللسان (جثا) 546 والبحر 8/50 والقرطبي 16/174.
[50728]:والمستوفز هو الذي رفع أليتيه ووضع ركبته. وانظر اللسان المرجع السابق.
[50729]:لفظ الشاعر زائد من ب.
[50730]:الجملة الدعائية تلك زائدة من أ فقط.
[50731]:من بحر الطويل لطرفة الشاعر الشعير يصف قبرين لغني وفقير، وهما سواء في هذين القبرين فلا يضر الفقير فقره ولا ينفع الغني غناه والشاهد: جثوتين مثنى جثوة بتثليث الفاء ضما وكسرا وفتحا وهي الحجارة. وروي في اللسان مصمد وهي قافية بيت آخر في نفس القصيدة، وانظر اللسان جثا 546 والبحر المحيط 8/50 والسبع الطوال لابن الأنباري 200 والقرطبي 16/174.
[50732]:زيادة من أ.
[50733]:البحر 8/50.
[50734]:ولم تنسب إلى من قرأ بها. وانظر البحر 8/50 والإبدال لابن السكيت 108 وأمالي القالي 2/120 وهي شاذة.
[50735]:الكشاف 3/513.
[50736]:وهي قراءة الأعرج أيضا المحتسب 2/262 ومختصر ابن خالويه 138.
[50737]:الكشاف 3/513 والدر المصون 4/841.
[50738]:سقط من ب وانظر الرازي 27/272.