اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا يُهۡلِكُنَآ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا يَظُنُّونَ} (24)

قوله : { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا } تقدم نظيره . وقرأ زيد بن علي نُحْيَا بضم النون{[50711]} .

فإن قيل : الحياة متقدمة على الموت في الدنيا فمنكر القيامة كان يجب أن يقول : نحيا ونموت ، فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة ؟

فالجواب من وجوه :

الأول : المراد بقوله : «نموت » حال كونهم نُطَفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات ، وبقوله : «نحيا » ما حصل بعد ذلك في الدنيا .

الثاني : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا .

الثالث : قال الزّجاج : الواو للاجتماع{[50712]} والمعنى : يموت بعضٌ ويحيا بعضٌ .

الرابع : قال ابن الخطيب : إنَّه تعالى قدم ذكر الحياة فقال : { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا } ثم قال بعده : { نَمُوتُ وَنَحْيَا } يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا ومنها ما لم يطرأ عليه الموت بعد ، وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد{[50713]} .

قوله : { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر } أي وما يُفنينا إلا مرُّ الزمان ، وطول العمر ، واختلافُ الليل والنهار { وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ } الذي قالوه { مِنْ عِلْمٍ } أي لم يقولوه عن علم عَلِموه { إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } .

روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قال الله تعالى : لاَ يَقُل ابْنُ آدَمَ يا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا أُرْسِلُ اللَّيْلَ والنَّهَارَ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُها »{[50714]} وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يَسُبَّ أحدُكُمْ الدَّهْرَ فإنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللهُ ، وَلاَ يَقُولَنَّ لِلْعِنَبِ الكرْمَ ، فإنََّ الكَرْمَ هُوَ الرَّجُلُ المُسْلِمُ{[50715]} » ومعنى الحديث أن العرب كان من شأنها ذم الدهر وسبه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون : أصابتهم قوارعُ الدهر ، وأبادهم الدهرُ ، كما أخبر الله عنهم : { وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ الدهر } فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبوا فاعلها فكان يرجع سَبُّهم إلى الله عز وجل ؛ إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر فنهُوا عن سبِّ الدهر{[50716]} .


[50711]:من القراءات الشاذة انظر المرجع السابق، وشواذ القرآن 221.
[50712]:معاني القرآن وإعرابه 4/434.
[50713]:الرازي 27/269.
[50714]:ذكره أحمد أيضا في مسنده 2/259 و272 و275 و318 و934.
[50715]:ذكره أيضا أحمد في مسنده 2/238 و272 و395 و491 و499 و506.
[50716]:انظر القرطبي 16/170 ـ 172.