اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةٗۚ وَهَٰذَا كِتَٰبٞ مُّصَدِّقٞ لِّسَانًا عَرَبِيّٗا لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِينَ} (12)

قوله ( تعالى ){[50870]} : { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى } العامة على كسر ميم «مِنْ » حرف جر ، وهي مع مجرورها خبر مقدم . والجملة حالية ، أو خبر مستأنف وقرأ الكلبي بنصب الكتاب{[50871]} تقديره : وأنْزَلَ مِنْ قِبْلِهِ كِتَابَ مُوسَى وقرئ : وَمَنْ قَبْلَه بفتح الميم كِتَابَ مُوسَى بالنصب ، على أن «من » موصولة ، وهي مفعول أول لآتَيْنَا مقدَّراً ، و«كتاب موسى » مفعوله الثاني أي وآتينا الذي قبله كِتَابَ مُوسَى{[50872]} .

قوله : «إمَاماً ورَحْمَةً » حالان من «كتاب موسى »{[50873]} . وقيل : منصوبان بمقدر أي أَنْزَلْنَاهُ إِمَاماً{[50874]} ولا حاجة إليه . وعلى كونهما حالين هما منصوبان بما نصب به «مِنْ قَبْل » من الاستقرار . وقال أبو عبيدة{[50875]} : فيه إضمار أي جعلناه إماماً ورحمة من الله لمن آمن به .

ومعنى الآية : ومن قبل القرآن كتابُ موسى يعني التوراة إماماً يهتدى به ، ورحمة من الله وفي الكلام محذوف تقديره : وتقدمه كتاب موسى إماماً ورحمةً ولم يَهْتَدُوا به كما قال في الآية الأخرى{[50876]} { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } .

قوله : { وهذا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } أي القرآن يصدِّق الكتب التي قبله ، في أن محمداً رسول من عند الله .

قوله : «لِسَاناً » حال من الضمير في «مُصَدِّق » ويجوز أن يكون حالاً من «كِتَابٍ » والعامل التنبيه{[50877]} ، أو معنى الإشادة . و«عربياً » صفة ل «لِسَاناً » وهو المسوغ لوقوع هذه الجامدة حالاً ، وجوز أبو البقاء أن يكون مفعولاً به ناصبه{[50878]} «مصدق » وعلى هذا تكون الإشارة إلى غير القرآن ؛ لأن المراد باللسان العربي القرآن . وهو خلاف الظاهر . وقيل : هو على حذف مضاف ، أي مُصَدِّق ذَا لسانٍ عَرَبيٍّ{[50879]} وهو النبي صلى الله عليه وسلم وقيل : هو على إسقاط حرف الجرف ، أي بلسان{[50880]} وهو ضعيف .

قوله : «لتنذر » متعلق بمُصَدِّق ، و«بُشْرَى » عطف على محلّه تقديره : للإنذار وللبُشْرَى{[50881]} . ولما اختلف العلة والمعلول وصل العامل إليه باللام ، وهذا فيمن قرأ بتاء الخطاب{[50882]} . فأما من قرأ بياء الغيبة{[50883]} وقد تقدم ذلك في يس فإنَّهُمَا متَّحِدَانِ . وقيل : بشرى عطف على لفظ «لِتُنْذِر » أي فيكون مجروراً فقط{[50884]} . وقيل : هي مرفوعة على خبر ابتداء مضمر تقديره{[50885]} : هِيَ بُشْرَى . ونقل أبو حيان{[50886]} وجه النصب عطفاً على محل «لِتُنْذِرَ » عن الزمخشري{[50887]} وأبي البقاء ثم قال : «وهذا لا يصح على الصحيح من مذاهب النحويين ، لأنهم يشترطون في الحمل على المحل أن يكون بحقّ الأصالة . وأن يكون للموضع مُحْرز{[50888]} . وهنا المحل ليس بحق الأصَالة ؛ إذ الأصل في المفعول الجر ( له ){[50889]} ، والنصب ناشىء عنه ، لكنه لما كثر بالشروط المذكورة وصل إليه الفعل فنصبه »{[50890]} . انتهى .

قوله : الأصل في المفعول له الجر بالحرف ممنوع بدليل قول النحويين إنه ينصب بشروط{[50891]} ذكروها ثم يقولون : ويجوز جره بلام فقولهم : ويجوز ظاهر في أنه فرع أصل .

قال الزجاج ( رَحِمَهُ الله{[50892]} ) : الأجوزُ أن يكون «وبشرى » في موضع رفع أي وهُو بُشْرَى .

قال و ( لا ){[50893]} يجوز أن يكون في موضع نَصْب على معنى لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين{[50894]} . وقوله للمحسنين متعلق ببشرى ، أو بمحذوف على أنَّه صفة لها .

فصل

المراد بالذين ظلموا مشركو مكة ، والحاصل أن المقصودَ من إنزال هذا الكتاب إنذار المعرضين وبشارة المطيعين .


[50870]:زيادة من ب.
[50871]:البحر المحيط 8/59 وهي شاذة غير متواترة.
[50872]:نسبها أبو حيان أيضا إلى الكلبي المرجع السابق ولم ينسبها الزمخشري فجعلها قراءة واحدة الكشاف 3/519.
[50873]:التبيان 1155.
[50874]:البحر المحيط المرجع السبق ولم ينسب هذا الرأي لمعين.
[50875]:لم أجده في كتابه مجاز القرآن عند هذه الآية ولعله له في كتاب آخر ولا فرق بينه وبين الذي سبقه من التقدير.
[50876]:في ب الأولى.
[50877]:يقصد الهاء من قوله: "وهذا" وانظر البحر المحيط 8/59 والتبيان 1155 والبيان 2/369 والحال في الحقيقة هو "عربيا" فيكون "لسانا" توطئة للحال أي تأكيدا. انظر القرطبي 16/191 والبحر المرجع السابق.
[50878]:أي هذا الكتاب يصدق لسان محمد صلى الله عليه وسلم. التبيان 1155.
[50879]:نقله أبو حيان في بحره المرجع السابق.
[50880]:السابق.
[50881]:قاله صاحب التبيان في مرجعه السابق 1155.
[50882]:وهو أبو رجاء والأعرج وشيبة، وأبو جعفر، ونافع، وابن كثير، وهي قراءة متواترة انظر السبعة 596 والنشر تقريبه 173، وابن خالويه في حجته 326.
[50883]:باقي السبعة.
[50884]:أي للإنذار والبشرى.
[50885]:وهو اختيار الزجاج ورجحه قال: "الأجود أن يكون "بشرى" في موضع رفع والمعنى وهو بشرى للمحسنين" معاني القرآن وإعرابه 4/441.
[50886]:في البحر 8/59.
[50887]:الكشاف 3/520.
[50888]:أي طالب لذلك المحل.
[50889]:كذا في أ وفي ب: إذ الأصل في المفعول له الجر، وهو الصحيح الموافق لما في البحر لأبي حيان فضلا عن المعنى المقصود.
[50890]:بالمعنى قليلا من البحر المحيط 8/59 و60.
[50891]:هذه الشروط أن يكون مصدرا خلافا ليونس، معللا، قيل: ومن أفعال الباطن وقد شرط المتأخرون والأعلم، مشاركته لفعله وقتا وفاعلا، كما شرط المبرد والرياشي تنكيره فإن فقد أي شرط من الشروط السابقة جر باللام، أو من، أو الباء، قيل: أو في، وهناك المزيد في همع السيوطي وغيره بتصرف من الهمع 1/194.
[50892]:زيادة من أ الأصل.
[50893]:زيادة من النسختين ففي معاني القرآن له: "ويجوز أن يكون... ويبشر المحسنين بشرى". معاني القرآن وإعرابه 4/441.
[50894]:ذكره العلامة الإمام الفخر الرازي 28/12 و13.