قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ } حكم «أرأيتم »{[50783]} . ووقع بعد هذه «أََرُونِي » فاحتلمت وجهين :
أحدهما : أن تكون توكيداً لها ، ولأنهما بمعنى أخبروني ، وعلى هذا يكون المفعول الثاني ( لأَرَأَيْتُمْ ) قوله «مَاذَا خَلَقُوا » إلا أنه استفهام ، والمفعول الأول هو قوله : «مَا تَدْعُونَ » .
الوجه الثاني : أن لا تكون مؤكدة لها وعلى هذا تكون المسألة من باب التنازع ، لأن ( أَرأَيْتُمْ ) يطلب ثانياً و «أروني » كذلك ، وقوله : «مَاذَا خَلَقُوا » : هو المُتَنَازَعُ فيه ، وتكون المسألة من إعمال الثاني ، والحذف من الأول{[50784]} .
وجوز ابن عطية في «أَرأَيْتُم » أن لا يتعدى ، وجعل «مَا تَدْعُونَ » استفهاماً معناه التوبيخ . وقال : «وتدعون » معناه{[50785]} تبعدون . وهذا رأي الأخفش ، وقد قال بذلك في قوله : { قال أرأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصخرة } [ الكهف : 63 ] وقد تقدم .
قوله : «مِن الأَرْضِ » هذا بيان للإبهام الذين في قوله : «مَاذَا خَلَقُوا » .
قوله : «أَمْ لَهُمْ » هذه «أم » المنقطعة ، والشِّرْكُ المُشَارَكَةُ ، وقوله : «مِنْ قَبْلِ هَذَا » صفة لِكِتَابٍ أي بكتاب منزل من قبلِ هذا ، كذا قدرها أبو البقاء{[50786]} ، والأحسن أن يقدر كون مطلق أي كائن من قبل هذا .
قوله : «أَوْ أَثَارةٍ » العامة على أَثارة ، وهي مصدر على فَعَالةٍ ، كالسَّمَاحَةِ ، والغَوايَةِ والضلالة ومعناها البقية من قولهم : سمنت الناقة على أثارةٍ من لَحْم إذَا كانت سَمِينةً ، ثم هزِلَتُ ، وبقي بقية من شَحْمِهَا ثم سمنت . والأثارة غلب استعمالها في بقية الشرف ، يقال : لِفُلانٍ أثارةٌ أي بقية شرف ، وتستعمل في غير ذلك{[50787]} قال الراعي :
4449 وََذَاتِ أَثَارَةٍ أَكَلَت عَلَيْهَا *** نَباتاً في أكَِمَّتِهِ قَفَاراً{[50788]}
وقيل : اشتقاقها من أثر كذا أي أسْنَدَهُ . ومنه قوله عمر : «ما خَلَّفْت به ذَاكِراً وَلاَ آثِراً »{[50789]} أي مسنداً له عن غيري . وقال الأعشى :
4450 إنَّ الَّذِي فِيهِ تَمَارَيْتُمَا *** بُيِّنَ لِلسَّامِعِ وَالآثِرِ{[50790]}
وقيل : فيها غير ذلك . وقرأ عَلِيٌّ وابن عَبَّاسٍ وزيدُ بنُ عَلِيٍّ وعكرمةُ في آخرين : أَثَرَةٍ دون ألف{[50791]} . وهي الواحدة وتجمع على أَثَر ، كقَتَرَةٍ ، وقَتَرٍ . وقرأ الكسائي : أُثْرَةٍ ، وإِثْرَة بضم الهمزة وكسرها مع سكون الثاء{[50792]} . وقتادة والسُّلَميّ بالفتح والسكون{[50793]} .
والمعنى بما يُؤْثَرُ ويُرْوَى ، أي ائتوني بخبر واحد يشهد بصحة قولكم . وهذا على سبيل التنزيل للعلم بكذب المدعي{[50794]} . و«مِن عِلْمٍ » صفةٌ لأَثَارَةٍ .
قال أبو عُبَيْدَة{[50795]} والفَرَّاءُ{[50796]} والزَّجَّاجُ{[50797]} أثارة من علم أي بقية . قال المبرد أثارة ما يؤثر منْ عِلم كقولك : هذا الحديثُ يُؤْثَر عَنْ فُلاَنٍ ، ومن هذا المعنى سيمت{[50798]} الأخبار والآثار ، يقالً : جَاءَ في الأثر كَذَا وكَذَا . قال الواحدي : وكلام أهل اللغة في هذا الحرف يدور على ثلاثة أقوال :
الأول : الأثارة{[50799]} واشتقاقها من أثرت الشيءَ أُثِيرُه إِثَارةً ، كأنها بقية تستخرج فتُثَارُ .
والثاني : من الأثر الذي هو الرواية .
والثالث : من الأَثَرِ بمعنى العلامة{[50800]} .
قال الكلبي في تفسير الأثارة : أي بقية من علم يؤثر عن الأولين أي{[50801]} يسند إليهم . وقال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء . وقال مجاهد : خاصة من علم . قال ابن الخطيب : وههنا قول آخر في تفسير ( قوله{[50802]} ) تعالى : { أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ } هو علم الخط الذي يخط في الرمل والعرب كانوا يخطونه وهو علم مشهور . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «كَانَ نَبِيُّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خًطُّه خَطَّهُ عَلِمَ عِلْمَهُ » فعلى هذا الوجه معنى الآية ائتوني بعلم من قبل هذا الخط الذي تخطونه في الرمل على صحة مذهبكم في عبادة الأصنام . فإن صحّ تفسير الآية بهذا الوجه كان ذلك من بَابِ التَّهَكُّم بهم وأقوالهم ودلائلهم{[50803]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.