قوله : { وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ } من رؤية البصر ؛ وجاء على الأفصح من اتصال الضميرين ولو جاء على أريناك إياهم جاز . وقال ابن الخطيب : الإرَاءَةُ{[51514]} هنا بمعنى التعريف .
قوله : «فَلَعَرَفْتَهُمْ » عطف على جواب «لو » وقوله : «وَلَتَعْرفنَّهُمْ » جواب قسم محذوف .
قال المفسرون : معنى الكلام : لأريناكهم أي لأعلمناكهم وعَرَّفْنَاكَهُمْ فَلَتَعْرِفَنَّهُمْ بِسِيماهُمْ : بعلامتهم . قال الزجاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها{[51515]} . قال «أنس » : فأخفي على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم{[51516]} .
قوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول } أي في معناه ومقصده . واللحن يقال باعتبارين :
أحدهما : الكناية بالكلام حتى لا يفهمه غير مخاطبك{[51517]} . ومنه قول القَتَّال الكِلاَبي ( رحمه الله ){[51518]} في حكاية له :
4487 وَلَقَدْ وَحَيْتُ{[51519]} لكيْمَا تَفَهْمُوا *** وَلَحَنْتُ لَحْناً لَيْسَ بِالْمُرْتَابِ{[51520]}
4488 وَمَنْطِقٌ صَائِبٌ{[51521]} وَتَلْحَن أحْيَا *** ناً وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ لَحْنَا{[51522]}
واللَّحْنُ : صرف الكلام من الإعراب إلى الخطأ . وقيل يجمعه هو والأول صرف الكلام عن وجهه . يقال من الأول : لَحَنْتُ بفتح الحاء أَلْحَنُ له فَأَنَا لاَحنٌ . وأَلْحَنْتُ الكَلاَمَ أَفْهَمْتُهُ إياه فَلحِنَهُ بالكسر أي فهمه فهو لاحن{[51523]} . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ{[51524]} بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ »{[51525]} .
ويقال من الثاني : لَحِنَ بالكسر إذا لم يُعْرب لهو لَحِنٌ .
معنى الآية أنك تعرفهم فيما يُعَرّضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى الله عليه وسلم إلا عَرَفَهُ بقوله ويستدل بفحوى كلامه على فساد دَخْلَتِهِ . قال ابن الخطيب : معنى الآية لن يُخْرِجَ الله أضغانهم أي يُظْهِرَ ضمائرهم ويُبْرِزَ سرائرهم ، وكأن قائلاً قال : فِلمَ لَمْ يُظْهر ؟ فقال : أخرناه لمحْض المشيئة لا لخوف منهم ولو نشاء لأريناكم أي لا مانع لنا والإراءة بمعنى التعريف .
وقوله : «فَلَعَرفتهُمْ » لزيادة فائدة وهي أن التعريف قد يطلق ولا يلزم منه المعرفة يقال : عَرَّفْتُهُ ولَمْ يَعْرِف وفَهَّمْتُهُ ولَمْ يَفْهَمْ فقال ههنا : فَلَعَرَفْتَهُمْ يعني عَرَّفْنَاهُمْ تَعْرِيفاً تعرفهم به إشارة إلى قوة التعريف . واللام في قوله : «فلعرفتهم » هي التي تقع في خبر «لو » كما في قوله : «لأَرَيْنَاكَهُمْ » أدخلت على المعرفة إشارة إلى المعرفة المرتبة على المشيئة كأنه قال : ولو نشاء لعرفتهم لتفهم أنَّ المعرفة غير متأخرة عن التعريف فتفيد تأكيد التعريف أي لو نشاء لعرفنانك تعريفاً معه المعرفة لا بعده . وقوله : { فِي لَحْنِ القول } أي في معنى القول حيث يقولون ما معناه{[51526]} النفاق ، كقولهم حين مجيء النصر : { إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } [ العنكبوت : 10 ] وقولهم : { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المدينة } [ المنافقون : 8 ] وقولهم : { إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ } [ الأحزاب : 13 ] ويحتمل أن يكون المراد قولهم ما لم يعتقدوا فأمالوا كلامهم كما قالوا : { نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُون } [ المنافقون : 1 ] .
ويحتمل أن يكون المراد من لَحْنِ القَوْل هو الوجه الخفي من القول الذي يفهمه النبي عليه الصلاة والسلام{[51527]} ولا يفهمه ( غيره{[51528]} . فالنبي عليه صلى الله عليه وسلم كان يعرف ) المنافقين ولم يظهر أمرهم ، إلى أن أذن الله له في إظهار أمرهم ، ومنع من الصلاة على جنائزهم ، والقيام على قبورهم .
«بِسيماهُمْ » الظاهر أن المراد أنه تعالى لو شاء لجعل على وجوههم علامة أو يسمخهم كما قال : { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ }{[51529]} [ يس : 67 ] . وروي أن جماعة منهم أصبحوا وعلى جباههم مكتوب هذا منافقٌ ثم قال تعالى : { والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } وهذا وعد للمؤمنين وبيان لكون حالهم بخلاف حال المنافقين{[51530]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.