قوله تعالى : { وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات . . . } الآية .
اعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في كثير من المواضع لأمور :
أحدها : أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر ويخالط المنافق لظنه بإيمانه وكان يفشي أسراره . وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أعْدَى عَدُوكَ نَفْسُكَ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ » ولهذا قال الشاعر :
4489 احْذَرْ عَدُوَّكَ مَرَّة *** وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ أَلْفَ مَرَّهْ
فَلَرُبَّمَا ( انْقَلَبَ ){[51648]} الصَّدِيقُ *** عَدُوًّا وَكَان أَعْلَمَ بِالْمَضَرَّهْ{[51649]}
وثانيها : أن المنافق كان يظن أن يتخلص بالمخادعة والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلبه يعذبه{[51650]} فلهذا أول ما أخبر الله عن المنافق .
قوله : { الظآنين بالله } صفة للفريقين . وتقدم الخلاف في السَّوءِ في التَّوبْة{[51651]} . وقرأ الحسن السُّوءِ بالضم فيهما .
قال المفسرون : ظن السوء هو أن ينصر محمداً والمؤمنين . وقال ابن الخطيب : هذا الظن يحتمل وجوهاً :
أحدها : هو الظن الذي ذكره الله بقوله : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول } [ الفتح : 12 ] .
وثانيها : ظن المشركين بالله في الإشراك كقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ } إلى أن قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً } [ النجم : 23 - 28 ] .
وثالثها : ظننتم أن الله لا يرى ولا يعلم كما قال تعالى : { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ فصلت : 22 ] .
قال : والأول أصح أو يقال : المراد جميع ظنونهم كما قال : { ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] . ويؤيد ذلك دخول الألف واللام في السَّوْء . وفي السَّوءِ وجُوهٌ :
أحدها : وهو اختيار المحققين من الأدباء : أن السَّوْء عبارة عن الفساد والصِّدق عبارة عن الصلاح ، يقال : مررت برجل سَوءٍ أي فاسد ، وسكنت عند{[51652]} رجل صِدْق ، أي صالح وهو قول الخليل{[51653]} ، والزَّجَّاج{[51654]} واختاره الزَّمخشريّ{[51655]} .
( وتحقيق{[51656]} هذا أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد يقال : ساء مِزَاجُهُ ( و ) ساء خُلُقُه ( و ){[51657]} سَاءَ ظَنَّه ، كما يقال : فسدَ اللحمُ وفسد الهواء بل كلُّ ما ساء فقد فسد ، وكلّ ما فَسدَ فقد سَاءَ غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال تعالى : { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر } [ الروم : 30 ] وقال : { سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }{[51658]} [ التوبة : 9 ] و [ المجادلة : 15 ] و [ المنافقون : 2 ] .
قوله : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء } أي دائرة الفساد يعني حاق بهم العذاب بحيث لا يخرجون منه { وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ } زيادة على التعذيب «وَلعنَهُمْ » أي الغضب يكون شديداً { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ } في العُقْبَى { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي جهنم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.