اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتِ وَٱلۡمُشۡرِكِينَ وَٱلۡمُشۡرِكَٰتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِۚ عَلَيۡهِمۡ دَآئِرَةُ ٱلسَّوۡءِۖ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَلَعَنَهُمۡ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرٗا} (6)

قوله تعالى : { وَيُعَذِّبَ المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات . . . } الآية .

اعلم أنه قدم المنافقين على المشركين في كثير من المواضع لأمور :

أحدها : أنهم كانوا أشد على المؤمنين من الكافر المجاهر ؛ لأن المؤمن كان يتوقى المشرك المجاهر ويخالط المنافق لظنه بإيمانه وكان يفشي أسراره . وإلى هذا أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله «أعْدَى عَدُوكَ نَفْسُكَ الَّذِي بَيْنَ جَنْبَيْكَ » ولهذا قال الشاعر :

4489 احْذَرْ عَدُوَّكَ مَرَّة *** وَاحْذَرْ صَدِيقَكَ أَلْفَ مَرَّهْ

فَلَرُبَّمَا ( انْقَلَبَ ){[51648]} الصَّدِيقُ *** عَدُوًّا وَكَان أَعْلَمَ بِالْمَضَرَّهْ{[51649]}

وثانيها : أن المنافق كان يظن أن يتخلص بالمخادعة والكافر لا يقطع بأن المؤمن إن غلبه يعذبه{[51650]} فلهذا أول ما أخبر الله عن المنافق .

قوله : { الظآنين بالله } صفة للفريقين . وتقدم الخلاف في السَّوءِ في التَّوبْة{[51651]} . وقرأ الحسن السُّوءِ بالضم فيهما .

فصل

قال المفسرون : ظن السوء هو أن ينصر محمداً والمؤمنين . وقال ابن الخطيب : هذا الظن يحتمل وجوهاً :

أحدها : هو الظن الذي ذكره الله بقوله : { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرسول } [ الفتح : 12 ] .

وثانيها : ظن المشركين بالله في الإشراك كقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ } إلى أن قال : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن وَإِنَّ الظن لاَ يُغْنِي مِنَ الحق شَيْئاً } [ النجم : 23 - 28 ] .

وثالثها : ظننتم أن الله لا يرى ولا يعلم كما قال تعالى : { ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } [ فصلت : 22 ] .

قال : والأول أصح أو يقال : المراد جميع ظنونهم كما قال : { ذَلِكَ ظَنُّ الذين كَفَرُواْ } [ ص : 27 ] . ويؤيد ذلك دخول الألف واللام في السَّوْء . وفي السَّوءِ وجُوهٌ :

أحدها : وهو اختيار المحققين من الأدباء : أن السَّوْء عبارة عن الفساد والصِّدق عبارة عن الصلاح ، يقال : مررت برجل سَوءٍ أي فاسد ، وسكنت عند{[51652]} رجل صِدْق ، أي صالح وهو قول الخليل{[51653]} ، والزَّجَّاج{[51654]} واختاره الزَّمخشريّ{[51655]} .

( وتحقيق{[51656]} هذا أن السوء في المعاني كالفساد في الأجساد يقال : ساء مِزَاجُهُ ( و ) ساء خُلُقُه ( و ){[51657]} سَاءَ ظَنَّه ، كما يقال : فسدَ اللحمُ وفسد الهواء بل كلُّ ما ساء فقد فسد ، وكلّ ما فَسدَ فقد سَاءَ غير أن أحدهما كثير الاستعمال في المعاني والآخر في الأجرام قال تعالى : { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر } [ الروم : 30 ] وقال : { سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }{[51658]} [ التوبة : 9 ] و [ المجادلة : 15 ] و [ المنافقون : 2 ] .

قوله : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء } أي دائرة الفساد يعني حاق بهم العذاب بحيث لا يخرجون منه { وَغَضِبَ الله عَلَيْهِمْ } زيادة على التعذيب «وَلعنَهُمْ » أي الغضب يكون شديداً { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ } في العُقْبَى { وَسَآءَتْ مَصِيراً } أي جهنم .

/خ7


[51648]:سقط من أ الأصل.
[51649]:يبدون أنه من البحور المهملة أو حكمة من الحكم فلم أعرف على أي بحر هو.
[51650]:كذا في النسختين وفي الرازي: يفديه.
[51651]:من الآية 98 من التوبة {عليهم دائرة السوء والله سميع عليم} والسوء بالفتح هو ذم للدائرة فهو نقيض: صدق، والسوء بالضم العذاب والسوء مصدر سؤته أسوؤه سوءا. وأما السوء فاسم الفعل. والسوء بالفتح أفشى في القراءة وأكثر.
[51652]:في الرازي: سئلت عن الرجل.
[51653]:انظر الرازي والقرطبي 28/84 و16/265.
[51654]:قال في معاني القرآن وإعرابه 5/21: "أي الفساد والهلاك يقع بهم".
[51655]:قال في الكشاف 3/542: "والسوء الهلاك والدمار".
[51656]:ما بين القوسين كله ـ وهو من كلام الإمام الرازي ـ سقط من نسخة ب.
[51657]:الواوان ساقطتان من أ وعن الرازي.
[51658]:وانظر الرازي السابق ومعاني الفراء 3/65 قال: "وقوله: دائرة السوء قولك: رجل السوء، ودائرة السوء العذاب. والسوء أفشى في اللغة وأكثر وقلما تقول العرب: دائرة السوء".