اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (10)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ } يا محمَّدُ بالحديبية على أن لا يفروا { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } لأنهم باعوا أنفسهم من الله تعالى بالجنة ، روى يزيدُ{[51672]} بن ( أبي ){[51673]} عبيد قال : قلت لسلمةَ بْنِ الأكوع : على أيِّ شيء بايعتم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ؟ قال : على الموت{[51674]} .

قوله : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله } خبر «إنَّ الَّذِينَ » و{ يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } جملة حالية ، أو خبر ثان وهو ترشيح للمجاز في مبايعة الله . وقرأ تمام بن العباس{[51675]} :

يبايعون للهِ{[51676]} ، والمفعول محذوف أي إنما يبايعونَكَ لأجل الله .

قوله : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } لما بين أنه مرسل ذكر أن من بايعهُ فقد بايع الحقّ .

وقوله : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } يحتمل وجوهاً ، وذلك أن اليد في الموضعين إما أن تكون بمعنًى واحدٍ ، وإما أن تكون بمعنيين فإن كانا بمعنى واحد ففيه وجهان :

أحدهما : قال الكلبي : نعمة الله عليه في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة{[51677]} كما قال تعالى : { بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ } [ الحجرات : 17 ] .

وثانيهما : قال ابن عباس ومجاهد : يد الله بالوفاء بما عاهدهم من النصر والخير وأقوى وأعلى من نصرتهم إياه ، ويقال : اليدُ لفلانٍ أي الغلبة والقوة{[51678]} .

وإن كانا بمعنيين ففي حق الله بمعنى الحفظ ، وفي حق المبايعين بمعنى الجارحة قال السدي : كانوا يأخذون بيد رسول صلى الله عليه وسلم ويبايعونه ويد الله فوق أيديهم في المبايعة ، وذلك أن المتبايعين إذا مد أحدهما يده إلى الآخر في البيع ، وبينهما ثالث فيضع يده على يديهما ويحفظ أيديهما إلى أن يتم العقد ولا يترك أحدهما بترك يد الآخر لكي{[51679]} يلزم العقد ولا يتفاسخان فصار وضع اليد فوق الأيدي سببا لحفظ البيعة ، فقال تعالى : { يَدُ الله فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } يحفظهم على البيعة كما يحفظ المتوسط أيدي المتبايعين{[51680]} .

قوله : «فَمَنْ نَكَثَ » أي نقض البيعةَ { فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ } أي عليه و ما له { وَمَنْ أوفى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ الله } أي ثبت على البيعة { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } قرأ أهل العراق{[51681]} فسيُؤتيه بالياء من تحت ، وقرأ الآخرون بالنون{[51682]} . والمراد بالأجر العظيم الجنة . وتقدم الكلام في معنى الأجر العظيم .


[51672]:في ب زيد.
[51673]:سقط من ب.
[51674]:البحر المحيط 8/91.
[51675]:ابن عبد المطلب عم رسول الله ـ صلى اله عليه وسلم ـ.
[51676]:وهي شاذة. انظر البحر 7/91.
[51677]:نقل الرأي الكلبي القرطبي في الجامع 16/267 و268.
[51678]:ذكر كلا الرأيين الرازي دون تصريح بصاحب الرأي.
[51679]:في ب لكن.
[51680]:وانظر تفسير الرازي 28/87.
[51681]:المراد بهم أبو عمرو وعاصم والأخوان حمزة والكسائي وبخلاف عن أبي عمرو، فقد روى عبيد عن هارون عنه بالنون وعن عبيد أيضا بالنون.
[51682]:أي باقي السبعة ابن كثير ونافع وابن عامر وبخلاف عن عاصم فقد روى أبان عنه بالنونـ انظر السبعة 603 وهي قراءة سبعية متواترة.