قوله : { لِّيَغْفِرَ لَكَ الله } متعلق «بِفَتَحْنَا » وهي لام العلة . وقال الزَّمَخْشَرِيُّ :
فإن قلتَ : كيف جعل فتح مكة علَّةً للمغفرة ؟
قلتُ : لَمْ تُجْعل علة للمغفرة ولكن لما عدد من الأمور الأربعة وهي المغفرة ، وِإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم ، والنصر العزيز كأنه قال : يَسَّرْنَا لَكَ فَتْح مكة ، ونَصَرْنَاك على عدوك ليجمع لك بين عِزِّ الدَّارَيْن ، وإعراض العاجل والآجل .
ويجوز أن ( يكون ){[51597]} فتح مكة من حيث إنَّهُ جهادٌ للعدو سبَباً للغُفْران والثواب{[51598]} . وهذا الذي قاله مخالف لظاهر الآية ، فإن اللام داخلة على المغفرة فتكون المغفرة علة للفتح والفتح معلَّلٌ بها فكان ينبغي أن يقول : كيف جعل فتح مكة معلَّلاً بالمغفرة ؟ ثم يقول : لم يجعل مُعَلَّلاً ؟
وقال ابن الخطيب في جواب هذا السؤال وجهين : آخرين ؛ فقال بعد أن حكى الأول وقال : إنَّ اجتماع الأربعة لم يثبت إلاَّ بالفتح فإنَّ النعمةَ به تَمَّتْ ، والنُّصْرَةَ به عَمَت : الثاني : أن فتح مكة كان سبباً لتطهير بيت الله من رِجْز الأوثان وتطهير بيته صار سبباً لتطهير عبده . الثالث : أن الفتح سبب الحِجَج ، وبالحَجِّ{[51599]} تحصل المغفرة كما قال عليه الصلاة والسلام في الحج «اللَّهُمّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُوراً وَسَعْياً مَشْكُوراً وَذَنْباً مَغْفُوراً » .
الرابع : المراد منه التعريف تقديره : إنَّا فتحنا لك لِتَعْرفَ أنك مغفور لك معصوم{[51600]} . وقال ابن عطية : المراد هنا أن الله فتح لك لِكَيْ{[51601]} يجعل الفتح علامة لَغُفْرَانِهِ لك فكأنها لام صيرورة{[51602]} . وهذا كلام ماش على الظاهر ، وقال بعضهم : إنَّ هذه اللام لام القَسَم{[51603]} والأصل : لَيَغْفِرَنَّ فكسرت اللام تشبيهاً بلام «كي » ، وحذفت النون . وَرُدَّ هذا بِأن اللام لا تكسر ، وبأنها لا تنصب المضارع{[51604]} .
وقد يقال : إنَّ هذا ليس بنصب وإنما هو بقاءُ الفتح الذي كان قبل نون التوكيد بَقِيَ ليدل عليها ولكنه قول مردودٌ .
لم يكن للنبي صلى لله عليه وسلم ذنب فما يغفر له ؟ فقيل : المراد ذنب المؤمنين . وقيل : المراد ترك الأفْضل . وقيل : الصغائر فإنها جائزة على الأنبياء بالسهو والعَمْد . قال ابن الخطيب : وهي تصونهم عن العُجْبِ . وقيل : المراد بالمغفرة العِصْمة . ومعنى قوله : «وَمَا تَأَخَّر » قيل : إنه وعد النبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يذنب بعد النُّبُوَّة . وقيل : ما تقدم على الفتح .
وقيل : هو للعموم ، يقال : اضْرِبْ مَنْ لَقِيتَ وَمَنْ لاَ تَلْقَاهُ مع أن من لا تلقاه لا يمكن ضربه إشارة إلى العموم . وقيل : من قبل النبوة وبعدها ومعناه ما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة . وفيه وجوه أُخر ساقطة . قال ابن الخطيب : منها قول بعضهم : ما تقدم من أمر «مَارِيَةَ »{[51605]} «وَمَا تَأَخَّر » من أمر «زَيْنَبَ »{[51606]} وهو أبعد الوجوه وأَسْقَطُهَا لعدم الْتِئَامِ الكَلاَمِ .
قوله : { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } قيل : إنَّ التكاليفَ عند الفتح تَمْتْ حيث وَجَب الحَجُّ وهو آخر التكاليف والتكليف نعمة وقيل : يتم نعمته عليك بإخلاء الأرض من مُعَانِدِيكَ ، فإنَّ مِنْ يوم الفتح لم يبق للنبي صلى الله عليه وسلم عدوٌّ ، فإن بعضهم قُتِلَ يوم بدر ، والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح{[51607]} .
وقيل : ويتم نعمته عليك في الدنيا والآخرة ، وأما في الدنيا باستجابة دعائك في طلب الفتح ، وفي الآخرة : بِقبول شفاعتك .
قال الضحاك : إنَّا فتحنا لك فتحناً مبيناً بغير قتال ، كان الصلح من الفتح . فإنْ كانت{[51608]} اللام في قوله : «لِيَغْفِرَ » لام كي فمعناه إنَّا فَتَحْنَا لك فتحاً مبيناً لكي يجتمع لك مع المغفرة تَمَامُ النعمة في الفتح . وقال الحسن بن الفضل : هو مردود إلى قوله : «واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلمُؤْمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك ، وما تأخر ، وليُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار » .
وقال محمد بن جرير : هو راجع إلى قوله : { إِذَا جَآءَ نَصْرُ الله والفتح وَرَأَيْتَ الناس يَدْخُلُونَ فِي دِينِ الله أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واستغفره إِنَّهُ كَانَ تَوَّابَا } [ النصر : 13 ] ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك في الجاهلية قبل الرسالة «وما تأخر » إلى وقت نزول هذه السورة .
وقيل : ما تأخر مما يكون . وهذا على طريق من يجوز الصغائر على الأنبياء . وقال سُفْيَانُ الثَّوْرِيّ : «ما تقدم » مما عملت في الجاهلية «وما تأخر » كل شيء لم تعمله كما تقدم .
وقال عطاء الخراساني : { مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ } يعني ذنب أبويك آدَمَ وحوّاء ببركتك ، «وَمَا تَأَخَرَ » ذنوب أمتك بدعوتك . { وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ } بالنبوة والحكمة{[51609]} .
قوله : { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } قيل : يهدي بك . وقيل : يُديمك على الصراط المستقيم{[51610]} ، وقيل جعل الفتح سبب الهداية إلى الصراط المستقيم لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بفوائده ( و ){[51611]} العاجلة والآجلة . وقيل : المراد التعريف ، أي لتعرف أنك على صراط مستقيم{[51612]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.