اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِّيُدۡخِلَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوۡزًا عَظِيمٗا} (5)

قوله تعالى : { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } في متعلق هذه اللام أربعة أوجه :

أحدهما : محذوف تقديره : يبتلي بتلك الجنود من شاء فيقبل الخبر ممن أهَّلَهُ له والشَّرَّ ممن قضى له به ليدخل ويعذب .

الثاني : أنها متعلقة بقوله : «إِنَّا فَتَحْنَا »{[51629]} لأنه روي أن المؤمنين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم هنيئاً لك إن الله غَفَر لك فما بالنا ؟ فنزلت الآية فكأنه تعالى قال : إنا فتحنا لك ليغفر لك وفتحنا للمؤمنين ليُدْخِلَهُمْ جناتٍ .

الثالث : أنها متعلقة ب «يَنْصُرَكَ » كأنه تعالى قال : وينصرك الله بالمؤمنين ليدخل المؤمنين جنات .

الرابع : أنها متعلقة ب «يَزْدَادُوا »{[51630]} واستشكل هذا بأن قوله : «ويعذب » عطف عليه وازديادهم الإيمان ليس سبباً عن تعذيب الله الكفار . وأجيبَ : بأن اعتقادهم أن الله يعذب الكفار يزيد في إيمانهم لا محالة .

وقال أبو حيان : والازْدِيَادُ لا يكون سبباً لتعذيب الكفار{[51631]} . وأجيب : بأنه ذكر لكونه مقصوداً للمؤمن كأنه قيل : بسبب ازدِيَادِكم في الإيمان يدخلكم الجنة ويعذب الكفار بأيديكم في الدنيا{[51632]} . وفيه نظر لأنه كان ينبغي أن يقول : لا يكون مسبَّباً عن تعذيب الكفار وهذا يشبه ما تقدم في قوله : «لِيَغْفِرْ لَكَ اللهُ »{[51633]} .

وأجاب ابن الخطيب بوجهين آخرين :

أحدهما : ( تقديره ){[51634]} ويعذب نَقِيضَ ما لكم من الازْدِياد ، يقال : فعلت لأخبر به العدوَّ والصديق أي لأعرف بوجوده الصديق وبعدمه العدو ، فكذا ههنا ليزداد المؤمن إيماناً يُدْخِلُهُ الجنة ويزداد الكافر كفراً فيعذبه ( به ){[51635]} .

وثانيهما : أن بسبب زيادة إيمان المؤمن يَكْثُرُ صَبْرُهُمْ{[51636]} وثباتهم ويتعب المنافق والكافر معه ويتعذب{[51637]} .

ثم ذَكَرَ وجوهاً أخر في تعلق الجار منها : أن الجار يتعلق بقوله : » حَكِيماً «كأنه تعالى قال : وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ لأن الله حكيم فَعَلَ ما فَعَلَ ليدخل المؤمنين .

ومنها : أن يتعلق بقوله : «ويتم نِعْمَتَهُ عليك » فيستجيب دعاءك في الدنيا ويقبل شفاعتك في العُقْبَى ليدخل المؤمنين جنات . ومنها : أن يتعلق بأمر مفهوم من قرينة الحال وهو الأمر بالقتال لأنه لما ذكر الفتح والنصر علم أن الحالَ حالُ القِتَال ، فكأنه تعالى قال : إنَّ الله تعالى أَمَرَ بالقتال ليدخل المؤمنين ، أو عرف من قرينة الحال أَنَّ الله اختار المؤمنين ( فكأنه تعالى{[51638]} قال : اختار المؤمنين ) ليدخلهم جنات{[51639]} .

فإن قيل : ما الحكمة في أنه تعالى ذكر في بعض المواضع المؤمنين والمؤمنات وفي بعضها اكتفى بذكر المؤمنين ودخلت المؤمنات فيهم كقوله تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون } [ المؤمنون : 1 ] وقوله : وَبَشِّرِ الْمؤْمِنينَ بِأَنَّ لَهُمْ ( مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً ) ؟

فالجواب : أنه في المواضع التي فيها ما يُوهم اخْتِصَاصَ المؤمنين بالخير الموعود به مع مُشَارَكَةِ المؤمنات لهم ذَكَرَهُنَّ الله صريحاً وفي المواضع التي فيها ما يوهم ذلك اكتفى بدخولهن في المؤمنين كقوله : «وبشر المؤمنين » مع أنه علم من قوله تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً } [ سبأ : 28 ] العموم ، فلا يوهم خروج المؤمنين عن البشارة . وأما ههنا فلما كان قوله تعالى : { لِّيُدْخِلَ المؤمنين } متعلّقاً بفعل سابق وهو إما الأمر بالقتال أو الصبر فيه ، أو النصرة ( بالمؤمنين ){[51640]} أو الفتح بأيديهم على ما تقدم .

فَإدْخَالُ المؤمنين كان للقتال والمرأة لا تُقَاتِلُ فلا تدخل الجَنَّةَ الموعدَ بها فصرح الله بِذكرِهِنَّ ، وكذا في قوله تعالى : { إِنَّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات } [ الأحزاب : 35 ] ؛ لأن الموضع ذكر النساء وأحوالهن لقوله : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهلية الأولى وَأَقِمْنَ . . . وَآتِينَ . . . وَأَطِعْنَ . . . واذكرن مَا يتلى فِي بُيُوتِكُنَّ } [ الأحزاب : 33-34 ] فكان ذكر النساء هنا ( ك ){[51641]} أصلاً لكن الرجال لما كان لهم ما للنساء من الأمر العظيم ذكرهم وذكرهن بلفظ مفرد من غير تبعية لما بينا ( أنَّ الأصل ذكرهن في ذلك الموضع ){[51642]} .

قوله : { وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } فيه سؤال وهو أن تكفير السيئات قبل الإدخال فكيف ذكره بعد ذكر الإدخال ؟ والجواب من وجهين :

أحدهما : أن الواو لا تقتضي التريتب .

والثاني : أن تكفير السيئات والمغفرة من توابع كون المكلف من أهل الجنة فقدم الإدخال في الذكر بمعنى أنه من أهل الجنة{[51643]} .

قوله : { ذَلِكَ عِندَ الله فَوْزاً عَظِيماً } «عِنْدَا اللهِ » متعلق بمحذوف على أنه حال من «فَوْزاً » لأنه صفته في الأصل{[51644]} . وجوز أبو البقاء أن يكون ظرفاً لمَكَان{[51645]} . وفيه خلاف . وأن يكون ظرفاً لمحذوف دل عليه الفوز ، أي يفوزون عند الله ولا يتعلق «بفَوْزاً » ؛ لأنه مصدر فلا يتقدم معموله عليه . من اغتفر ذلك في الظرف جوزه{[51646]} . قال ابن الخطيب : معناه أن ذلك الإدخال والتكفير في علم الله فوز عظيم يقال : عندي هذا الأمر على هذا الوجه أي في اعتقادي{[51647]} .

/خ7


[51629]:ذكره أبو حيان في البحر المحيط 8/90 نقلا عن الرازي 28/82.
[51630]:المرجع السابق أيضا وقد ذكر الوجه السابق له أيضا أبو حيان الذي لم يرتض الأقوال الثلاثة الأخيرة قائلا: "وهذه الأقوال فيها بعد".
[51631]:البحر المحيط 8/90.
[51632]:السابق أيضا.
[51633]:من إشكال الزمخشري المتقدم.
[51634]:سقط من نسخة ب.
[51635]:زيادة من الرازي رحمه الله تعالى.
[51636]:كذا في أ وفي ب بكبر. وفي الرازي: بكثرة.
[51637]:وانظر الرازي 28/82.
[51638]:ما بين القوسين زيادة من أ وسقوط من ب بسبب انتقال النظر.
[51639]:بالمعنى من تفسير علامتنا الإمام الرازي 28/82.
[51640]:زيادة من أ.
[51641]:زيادة من أ. ففي ب هنا فقط.
[51642]:زيادة من الرازي لتوضيح السياق.
[51643]:انظر في هذا كله تفسير الإمام 28/82 و83.
[51644]:قدم وصار حالا. انظر التبيان 1165.
[51645]:أي لمكان الفوز أو لما دل عليه الفوز.
[51646]:المرجع السابق.
[51647]:تفسير الإمام 28/83 وقرر الرازي وجها غريبا وصفه بالغرابة كأنه مشى مع أبي البقاء قال: "وهو أن يجعل "عند الله" كالوصف لذلك كأنه تعالى يقول: ذلك عند اله أي بشرط أن يكون عند الله تعالى يوصف عند الله فوز عظيم". انظر الرازي السابق.