قوله " ذلك أدْنَى " لا محلَّ لهذه الجملةِ ؛ لاستئنافِها ، والمشارُ إليه الحكمُ السابقُ بتفصيله ، أي : ما تقدَّم ذكرُه من الأحْكَامِ أقربُ إلى حصولِ إقامةِ الشَّهادة على ما ينبغي ، وقيل : المشارُ إليه الحَبْسُ بعد الصلاة ، وقيل : تحليفُ الشاهدين ، و " أنْ يَأتُوا " أصلُه : " إلى أنْ يأتُوا " ، وقدَّره أبو البقاء{[12874]} ب " مِنْ " أيضاً ، أي : أدْنَى من أن يأتُوا ، وقدَّره مكيٌّ{[12875]} بالباء ، أي : بِأنْ يَأتُوا ، قال شهاب الدين{[12876]} : وليْسَا بواضحَيْنِ ، ثم حذفَ حرفَ الجر ، فَنَشَأ الخلافُ المشهور ، و " عَلَى وَجْهِهَا " متعلِّقٌ ب " يَأتُوا " ، وقيل : في محلِّ نَصْبٍ على الحال منها ، وقدَّره أبو البقاء{[12877]} ب " محققة وصَحِيحَة " ، وهو تفسيرُ معنًى ؛ لما عرفْتَ غير مرة من أنَّ الأكوانَ المقيَّدة لا تُقَدَّر في مثله .
قوله : " أوْ يَخَافُوا " في نصبه وجهان :
أحدهما : أنه منصوب ؛ عطفاً على " يَأتُوا " ، وفي " أوْ " على هذا تأويلان :
أحدهما : أنها على بابها من كونها لأحدِ الشيئين ، والمعنى : ذلك الحكمُ أقربُ إلى حصول الشهادة على ما ينبغي ، أو خوفِ رَدِّ الأيمانِ إلى غيرهم ، فتسقطُ أيمانهم ، والتأويلُ الآخر : [ أن ] تكون بمعنى الواو ، أي : ذلك الحُكْمُ كله أقربُ إلى أنْ يَأتُوا ، وأقربُ إلى أن يَخَافُوا ، وهذا مفهومٌ من قول ابن عبَّاسٍ .
الثاني من وجهي النصب : أنه منصوبٌ بإضمار " أنْ " بعد " أوْ " ، ومعناها هنا " إلاَّ " ؛ كقولهم : " لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَني حَقِّي " ، تقديره : إلاَّ أنْ تَقْضِيني ، ف " أوْ " حرفُ عطفٍ على بابها ، والفعلُ بعدها منصوبٌ بإضمار " أنْ " وجوباً ، و " أنْ " وما في حيِّزها مُؤوَّلةٌ بمصْدرٍ ، ذلك المصدرُ معطوفٌ على مصدر متوهَّم من الفعلِ قبله ، فمعنى : " لألْزَمَنَّكَ أوْ تَقْضِيَنِي حَقِّي " : لَيَكُونَنَّ منِّي لُزُومٌ لك أو قَضَاؤُكَ لِحَقِّي ، وكذا المعنى هنا أي : ذلك أدنى بأن يأتوا بالشهادةِ على وجهها ؛ وإلاَّ خَافُوا رَدَّ الإيمانِ ، كذا قدَّره ابن عطية{[12878]} بواوٍ قبل " إلاَّ " ، وهو خلافُ تقدير النحاة ؛ فإنَّهمْ لا يقدِّرون " أوْ " إلا بلفظ " ألاَّ " وحدها دون واو ، وكأن " إلاَّ " في عبارته على ما فهمه أبو حيان{[12879]} ليسَتْ " إلاَّ " الاستثنائيةَ ، بل أصلُها " إنْ " شرطيةً دخلتْ على " لاَ " النافيةِ فأدْغمَتْ فيها ، فإنه قال : " أو تكون " أو " بمعنى " إلاّ إنْ " ، وهي التي عبَّر عنها ابن عطيَّة بتلك العبارةِ من تقديرها بشرطٍ - محذوفٍ فعلُه - وجزاءٍ " .
انتهى ، وفيه نظرٌ من وجهَيْن :
أحدهما : أنه لم يَقُلْ بذلك أحدٌ ، أعني كون " أوْ " بمعنى الشرط .
والثاني : أنه بعد أنْ حَكَمَ عليْهَا بأنها بمعنى " إلاَّ إنْ " جعلها بمعنى شرطٍ حُذِفَ فعلُه .
و " أنْ تُرَدَّ " في محلِّ نَصْبٍ على المفعُولِ به ، أي : أو يَخَافُوا رَدَّ أيمانهم . و " بَعْدَ أيْمَانِهِمْ " : إمَّا ظرفٌ ل " تُرَدَّ " ، أو متعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ على أنها صفةٌ ل " أيْمَان " ، وجُمِعَ الضميرُ في قوله " يَأتُوا " وما بعده ، وإنْ كان عائداً في المعنى على مثنى ، وهو الشاهدان ، فقيل : هو عائدٌ على صنفي الشاهدين ، وقيل : بل عائدٌ على الشهودِ من الناسِ كُلِّهِمْ ، معناه : ذلك أولى وأجدرُ أنْ يحذرَ الناسُ الخيانةَ ، فيَتَحَرَّوْا في شهادتهم ؛ خَوْفَ الشناعةِ عليهم والفَضِيحةِ في رَدِّ اليمينِ على المُدَّعِي ، وقوله : " واتَّقُوا الله " لم يذكر متعلَّق التقوى : إمَّا للعلْمِ به ، أي : واتقوا اللَّهَ في شهادِتكُمْ وفي الموصينَ عليهم بأن لا تَخْتَلِسُوا لهم شيئاً ؛ لأن القصَّةَ كانت بهذا السَّببِ ، وإمَّا قَصْداً لإيقاع التقوى ، فيتناولُ كلَّ ما يُتَّقَى منه ، وكذا مفعولُ " اسْمَعُوا " إنْ شئتَ حذفته اقتصاراً أو اختصاراً ، أي : اسْمَعُوا أوامِرَهُ من نَوَاهِيه من الأحكام المتقدِّمة ، وما أفْصَحَ ما جيء بهاتَيْن الجملتَيْن الأمريتَيْن ، فتباركَ اللَّهُ أصْدَقُ القائلِينَ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.