اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَزَّلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ مُّبَٰرَكٗا فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ جَنَّـٰتٖ وَحَبَّ ٱلۡحَصِيدِ} (9)

قوله : { وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاءً مُّبَارَكاً } كثير الخير ، وفيه حياة كل شيء وهو المطر { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحصيد } ، يعني البُرّ والشّعير وسائر الحبوب التي تحصد{[52309]} ، فقوله : «وحَبَّ الحَصِيدِ » يجوز أن يكون من باب حذف الموصوف للعلم به ، تقديره وحب الزرع{[52310]} الحصيد ، نحو : مَسْجَدُ الجَامِعِ وبابه وهذا مذهب البصريين{[52311]} ؛ لئلا يلزم إِضافة الشيء إلى نفسه . ويجوز أن يكون من إِضافة الموصوف إلى صفته ؛ لأن الأصل والحَبُّ الحصيدُ أي المَحْصُودُ .

فصل

هذا دليل آخر وهو ما بين السماء والأرض فيكون الاستدلال بالسماء والأرض وما بينهما وهو إِنزال الماء من فوق وإخراج النبات من تحت .

فإن قيل : هذا الاستدلال قد تقدم في قوله تعالى : { وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } فما الفائدة من إعادة قوله : { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحصيد } ؟ .

فالجواب : أن قوله : وأنبتنا إشارة إلى جعلها محلاً للنبات ، اللحم والشعر وغيرهما ، وقوله : «وَأَنْبَتْنَا » استدلال بنفس النبات أي الأشجار تنمو وتزيد فكذلك بدن الإنسانِ بعد الموت ينمُو ويزيدُ أي يُرجِعُ الله إليه قوة النماء كما يعيدها إلى الأشجار بواسطة ماء السماء{[52312]} .


[52309]:قاله البغوي في معالم التنزيل 6/234.
[52310]:قدره القرطبي: وحب النبت الحصيد وهو كل ما يحصد وكذا الأمر في البغوي وانظر القرطبي 17/6 والبغوي 6/234.
[52311]:وإنما أضيف الحب إلى الحصيد وهما واحد لاختلاف اللفظين كما قال: مسجد الجامع وربيع الأول. وانظر البغوي السابق والقرطبي 17/6 وهذا الرأي الأخير ينسب للكوفيين قال الفراء: أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه. انظر معاني الفراء 3/176.
[52312]:بالمعنى قليلا من تفسير الإمام الفخر الرازي 28/157.