اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ} (16)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } .

قوله : «وَنَعْلَمُ » خبر مبتدأ مضمر تقديره : ونَحْنُ نَعْلَمُ ، والجملة الاسمية حينئذٍ حالٌ{[52358]} . ولا يجوز أن يكون هو{[52359]} حالاً بنفسه ، لأنه مضارع مثبت باشرته الواو ، وكذلك قوله : «ونحن أقرب » . {[52360]}

فصل

إذا قلنا : بأن الخلق الأول هو خلق السماوات فهذا ابتداء استدلال بخلق الإنسان ، وإذا قلنا : بأن الخلق الأول هو خلق الإنسان فهذا تتميم للاستدلال بأن خلق الإنسان أول مرة ، وقوله { وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } أي يحدث به قلبه ، ولا يخفى علينا سرائره وضمائره { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد } لأن أبعاضه تحجب بعضها بعضاً ولا يحجب علمَ الله شيءٌ ، وهذا بيان لكمال علمِهِ{[52361]} .

قوله : { مِنْ حَبْلِ الوريد } كقولهم : مَسْجِدُ الْجَامِعِ ، أي حبل العِرْقِ الوَرِيدِ{[52362]} . أو لأنَّ الحبل أعم فأضيف للبيان نحو : بعيرُ سَانِيَةٍ{[52363]} أو يراد : حبل العاتق{[52364]} فأضيف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لأنهما في عضو واحد{[52365]} . قال البغوي : حبل الوريد عرق العُنُق وهو عرق بين الحُلْقُوم والعِلْبَاوَيْنِ تتفرق في البدن ، والحبل هو الوريد فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين{[52366]} . والوريد إما بمعنى الوارد وإما بمعنى الوُرُود . والوريدُ عرق كبير في العنق . فقال : إنهما وَرِيدان . قال الزمخشري : عرقان مُكْتَنِفَان بصفحتي العُنُق في مقدّمهما يتصلان بالوتين يردان من الرأس إليه يسمى وريداً لأنَّ الروح ترد إليه{[52367]} وأنشد :

كَأَنَّ ورِيدَيْهِ رشَاءَا خُلَّبِ{[52368]} *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال أبْرَمُ{[52369]} : هو نهر الجسد وفي القلب الوتين ، وفي الظهر الأبهر ، وفي الذراع والفخذ الأكحل واللسان وفي الخنصر الأسلم .


[52358]:قاله العبكري في التبيان 1174.
[52359]:فعل "نعلم".
[52360]:فهي حالية برمتها.
[52361]:الرازي المرجع السابق 28/162.
[52362]:فيجوز فيه ما جاز في مسجد الجامع هل أضيف إلى نفسه أو إلى مقدر.
[52363]:من معاني السانية الناضحة وهي الناقة التي يستقى عليها وقال الليث: السانية وجمعها السواني ما يسقى عليه الزرع والحيوان من بعير وغيره. انظر لسان العرب "سنا" 2129، فكأن البعير أخص أضيف إلى الأعم وهو السانية.
[52364]:وهو ما بين المنكب والعنق مذكر وقد أنث وليس بثَبتٍ. اللسان "عنق" 2800.
[52365]:كما قالوا: حبل العلباء مثلا وانظر الكشاف 4/6 والبحر 8/123.
[52366]:معالم التنزيل له 6/235.
[52367]:بالمعنى من الكشاف المرجع السابق.
[52368]:رجز لرؤبة وهو في ملحقات ديوان رؤبة والكتاب 3/164 و165، وابن يعيش 8/72 والمقتضب 1/50 والإنصاف 198 واللسان "خلب" والبحر 8/1129 والتصريح 1/234 والكشاف 4/6 وشرح شواهده، والرشاء الحبل؛ والخُلب بالضم الليف، والرواية الأعلى رواية الكشاف بالتثنية وقبل الشطر: ومُعتدٍ فظّ غليظ القلب. وبعده: غادرته مجدلا كالكلب.
[52369]:كذا في النسختين ولعله إبراهيم أي النخعي.