اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا ٱلۡمُرۡسَلُونَ} (31)

قوله تعالى : { قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا المرسلون } هذا أيضاً من آداب المُضِيف ، إذا بادر الضيف إلى الخروج قال له : ما هذه العَجَلَةُ ؟ وما شَأنُك ؟ لأن في سُكُوته ما يوهم باسْتِثْقَالهم{[52873]} ثم إنّهم{[52874]} أتوا بما هو من أدب الصديق الذي لا يسر عن الصديق شيئاً ، وكان ذلك بإذن الله لهم في إطلاع إبراهيم على إهلاكهم ، وجبر قلبه بتقديم البشارة بأبي الأنبياء إسحاق - عليه الصلاة والسلام - .

فإن قيل : فما الذي اقتضى ذكره بالفاء ولِمَ لا قال : مَا هَذَا{[52875]} الاستعجال ؟ ومَا خَطْبكُم المعجل لكم ؟

فالجواب : أنه لما أوجسَ منهم خيفةً أو خرجوا من غير بشارة وإيناس ما كان يقول شيئاً فلما أَنِسُوه قال : ما خَطْبُكُم أي بعد هذا الأُنس العظيم ما هذا الإيحاش الأليم{[52876]} !

فصل

والخَطْب يُسْتَعْمل في الأمر العظيم ، ولذلك قال : فَمَا خَطْبُكُم أي لعظمتكم لا ترسلون إلاَّ في أمر عظيم ، ولو قال بلفظ مركب بأن يقول : ما شُغْلكم الخَطِيرُ وأمركم العظيم للزم التطويل فالخَطْبُ أفاد التعظيم مع الإيجاز وعرف أنهم مرسلون بقولهم : «إِنَّا أُرْسِلْنَا » أو بقولهم لامرأته : { كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ } لحكايتهم قول الله تعالى .

وقالوا في سورة هود : { إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ } [ هود : 70 ] وقالوا هنا : { إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ } ، لأن الحكاية عن معنى قولهم .

ويحتمل أنهم قالوا الأمرين ، ولما حكى لفظهم في السلام أتى في الموضعين بصفة واحدة{[52877]} .

والمُجْرم قال ابن عباس - ( رضي الله{[52878]} عنهما - ) : هو المشرك ، لأن الشرك أسرف الذنوب وأعظمها .

قال ابن الخطيب : المُجْرم هو الآتي بالذنب العظيم ، لأن المجرم فيه دلالة على العظيم ومنه جُرْم الشيء لِعظَمِهِ ومقْدَاره{[52879]} .


[52873]:في ب باشتغالهم والتصحيح من أ.
[52874]:في ب وإنهم.
[52875]:كذا ذلك الأسلوب في النسختين وفي الرازي: ولو كان كما ذكرتم لقال: ما هذا الاستعجال.. الخ.
[52876]:الرازي 28/215 و216.
[52877]:الرازي المرجع السابق.
[52878]:زيادة من "أ".
[52879]:تفسيره 28/218.