ثم إنه تعالى لما أبطل قولهم شرح بعده عظمة يوم القيامة ، وهو قوله :{ يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } «يَوْمَ » منصوب بقوله «فليَأتُوا » أي : فليأتوا بشركائهم يوم يكشفُ عن ساق ليشفع الشركاء لهم وحينئذ لا يوقف على «صَادِقينَ » .
أو بإضمارِ «اذْكُرْ » فيكون مفعولاً به ، أو بمحذوفٍ وهو ظرف ، أي : يوم يكشف يكون كيت وكيت . أو ب «خَاشِعةً » . قاله أبو البقاء .
و «عَنْ ساقٍ » قائم مقام الفاعل .
وقرأ ابن مسعود{[57665]} وابن أبي عبلة : «تكشف » بالتاء من فوق مبنياً للفاعل ، أي : الشدة والساعة . وعنه أيضاً كذلك : مبنياً للمفعول{[57666]} .
وهي مشكلة ، لأن التأنيث لا معنى له هاهنا إلا أن يقال : إن المفعول مستتر ، أي : تكشف هي ، أي : الشدة ، ويتعلق «عَنْ ساقٍ » بمحذوف ، أي : تكشف عن ساقها .
ولذلك قال الزمخشري : «وتكشف » بالتاء مبنياً للفاعل والمفعول جميعاً ، والفعل للساعة ، أو الحال : أي يشتد الحال ، أو الساعة .
وقرئ{[57667]} : «ويُكشِفُ » - بضم التاء أو الياء وكسر الشين - من «أكشف » إذا دخل في الكشف ، وأكشف الرجل إذا انقلبت شفته العليا لانكشاف ما تحتها . ويقال له أيضاً : أخلع وكشف الساق كناية عن الشدة .
4831 - عَجِبْتُ مِنْ نَفْسِي ومِنْ إشْفَاقِهَا***ومِنْ طِرَادِي الطَّيْرَ عَنْ أرْزَاقِهَا
في سَنةٍ قَدْ كشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا***حَمْرَاءِ تَبْرِي اللَّحْمَ عَنْ عُراقِهَا{[57668]}
وقال حاتم الطائيُّ : [ الطويل ]
4832-أخُو الحَرْبِ إنْ عَضَّتْ به الحَرْبُ عضَّهَا***وإنْ شَمَّرْتَ عَنْ سَاقهَا الحَرْبُ شَمَّرَا{[57669]}
4833 - كَشفَتْ لَهُمْ عَنْ سَاقِهَا*** وبَدَا مِنَ الشَّرِّ البَواحُ{[57670]}
4834 أ - قَدْ شَمرَتْ عَنْ سَاقِهَا فشُدُّوا***وجَدَّتِ الحَرْبُ بِكُمْ فَجِدُّوا{[57671]}
وقال الآخر : [ السريع ، أو الرجز ]
4834 ب - صَبْراً أُمامُ إنَّهُ شَرُّ بَاقْ***وقَامتِ الحَرْبُ بِنَا على سَاقْ{[57672]}
قال الزمخشريُّ : الكشفُ عن الساق والإبداء عن الخدام مثل في شدة الأمر وصعوبة الخطب ، وأصله في الروع والهزيمة وتشمير المخدراتِ عن سوقهن في الهرب وإبداء خدامهن عند ذلك ؛ قال حاتم :
4835أ - أخو الحَرْبِ . . . *** . . . {[57673]}
وقال ابن قيس الرُّقيَّاتِ : [ الخفيف ]
4835 ب - تُذِهِلُ الشَّيْخَ عنْ بنيهِ وتُبْدِي***عَنْ خِدَامِ العَقيلَةُ العَذْراءُ{[57674]}
قال ابن عباس في قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } ، قال : كرب وشدة{[57675]} .
وعن مجاهد : شدة الأمر وحده{[57676]} .
وروى مجاهد عن ابن عباس قال : أشد ساعةٍ في القيامة{[57677]} .
وقال أبو عبيدة : إذا اشتد الأمر ، أو الحرب قيل كشف الأمر عن ساقه .
والأصل فيه : أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد ، شمر عن ساقه ، فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة .
وقيل : ساق الشيء : أصله الذي به قوامه كساق الشجرة ، وساق الإنسان ، أي : يوم يكشفُ عن أصل الأمر ، فتظهر حقائق الأمور ، وأصلها .
وقيل : يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن ، أي : يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه ، ويدعوه المؤذنون إلى الصلاة ، فلا يمكنه أن يقوم ، ويخرج .
قال القرطبيُّ : فأما ما روي الله تعالى يكشف عن ساقه ، فإنه - عز وجل - يتعالى عن الأعضاء ، والأبعاض ، وأن ينكشف ، ويتغطى ، ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره وقيل : «يكشف عن نوره عز وجل » .
وروى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { عَنْ سَاقٍ } قال : يكشف عن نورٍ عظيمٍ يخِرُّونَ لهُ سُجَّداً{[57678]} .
وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامةِ مثِّل لِكُلِّ قَوْمٍ مَا كَانُوا يَعْبدُونَ فِي الدُّنيَا فيَذْهبُ كُل قَوْمٍ إلى مَا كَانُوا يَعَبْدُون ويبقى أهلُ التَّوحيدِ ، فيقال لهم : ما تَنْتَظِرُونَ ، وقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ ، فيقولون : لنَا رَبٌّ كنَّا نَعْبدُهُ في الدُّنيَا ، ولَمْ نَرَهُ ، قال : وتعْرِفُونهُ إذَا رأيتمُوهُ ؟ فيقولون : نَعَم ، فيُقَالُ لَهُمْ : فَكيْفَ تعرفونه ، ولَمْ تَرَوهُ ؟ قالوا : إنه لا شبيهَ لَهُ ، فيكشفُ لَهُم الحجابُ ، فينْظُرونَ إلى اللَّهِ تعالى ، فيخِرُّونَ لَهُ سُجَّداً ، ويبقى أقوامٌ ظُهُورُهُمْ كَصَياصِي البَقرِ ، فينْظرُونَ إلى اللَّهِ تعالى فيريدون السُّجُودَ ، فلا يَسْتطِيْعُونَ ، فَذلكَ قوله تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السجود فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } فيقول الله تعالى : عبادي ارفعوا رءوسكم ، فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلاً من اليهود والنصارى في النار »{[57679]} ، قال أبو بردةُ : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال : الله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث ؟ فحلف له ثلاثة أيمانٍ ، فقال عمر : سمعتُ في أهل التوحيد حديثاً هو أحب إليَّ من هذا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.