اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَلَمَّا رَأَوۡهُ زُلۡفَةٗ سِيٓـَٔتۡ وُجُوهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقِيلَ هَٰذَا ٱلَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَدَّعُونَ} (27)

ثم إنه تعالى بين حالهم عند ذلك الوعد وهو قوله : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ } ، أي : الموعود ، أو العذاب ، زلفة أي : قريباً ، فهو حال .

وقال القرطبيُّ{[57462]} : «مصدر ، بمعنى مزدلفاً ، أي : قريباً ، قاله مجاهد »{[57463]} .

ولا بد من حذف مضاف ، أي : ذا زلفة ، وجعل الزلفة مبالغة .

وقيل : «زُلْفَة » تقديره : مكاناً ذا زلفةٍ ، فينتصب انتصاب المصدرِ .

فصل في المراد بالعذاب .

قال الحسنُ{[57464]} : عياناً . وأكثر المفسرين على أن المراد عذابُ الآخرةِ .

وقال مجاهدٌ : عذاب يوم بدر{[57465]} .

وقيل : رأوا ما يوعدون من الحشر قريباً منهم ، لقوله : { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .

وقال ابن عباس : يعني علمهم الشيء قريباً .

قوله : «سِيئَتْ » ، الأصل : «ساء » أحزن وجوههم العذاب ورؤيته ، ثم بني للمفعول ، وساء هنا ليست المرادفة ل «بئس » كما تقدم مراراً .

وأشم كسرة السين الضم{[57466]} : نافع وابن عامر والكسائي ، كما فعلوا ذلك في { سيء بِهِمْ }[ هود : 87 ] في «هود » كما تقدم . والباقون : بإخلاص الكسر ، وتقدم تحقيق هذا وتصريفه في أول «البقرة » ، وأن فيه لغات عند قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ }[ البقرة : 11 ] .

فصل في معنى الآية

قال ابن عباس{[57467]} : «سِيْئَتْ » أي : اسودت وعليها الكآبة والغبرة{[57468]} .

يقال : ساء الشيءُ يسوء ، فهو مسيء إذا قبح ، وساء يساء إذا قبح ، وهو فعل لازم ومتعدّ ، ومعنى { سِيئَتْ وُجُوهُ } ، أي : قبحت ، بان عليها الكآبةُ ، وغشيها الكسوفُ والقترة وكلحوا .

قال الزجاج{[57469]} : تبين فيها السوء ، أي : ساءهم ذلك العذاب ، وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ، كقوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }[ آل عمران : 106 ] .

قوله : { وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } ، أي : قال لهم الخزنة .

قال الفراء : «تفتعلون » من الدعاء . وهو قول أكثر العلماءِ ، أي : تتمنون ، وتسألون .

وقال ابن عباس : تكذبون{[57470]} ، وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ، قاله الزجاج{[57471]} .

وقرأ العامة : بتشديد الدال مفتوحة .

فقيل : من الدعوى ، أي : تدعون أنه لا جنة ولا نار ، قاله الحسنُ .

وقيل : من الدعاء ، أي : تطلبونه وتستعجلونه .

وقرأ الحسنُ وقتادةُ وأبو رجاء{[57472]} والضحاك ، ويعقوب وأبو زيد وأبو بكر وابن أبي عبلة ونافع في رواية الأصمعي : بسكون الدالِ ، وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء في قراءة العامة .

وقال قتادة : هو قولهم : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا }{[57473]}[ ص : 16 ] .

وقال الضحاك : هو قولهم : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ }[ الأنفال : 32 ] الآية .

وقال النحاس : تدَّعون ، وتدْعون ، بمعنى واحد ، كما يقال : قدر واقتدر ، وعدى واعتدى ، إلا أن في «افتعل » معنى شيء بعد شيء ، و «فَعَل » يصح للقيل والكثير .


[57462]:ينظر المصدر السابق.
[57463]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/173) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/385) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
[57464]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/173).
[57465]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/373) عن مجاهد وذكره أيضا القرطبي (18/143).
[57466]:وكذلك أبو جعفر، والحسن، وابن كثير، وأبو رجاء، وشيبة، وابن وثاب وطلحة كما في: المحرر الوجيز 5/343، والبحر المحيط (8/298)، والدر المصون 6/348.
[57467]:ذكره البغوي في "تفسيره" (4/373) عن مجاهد، وذكره أيضا القرطبي (18/143).
[57468]:في ب: والقترة.
[57469]:ينظر: معاني القرآن للزجاج 5/201.
[57470]:ينظر القرطبي (18/144).
[57471]:ينظر: معاني القرآن للزجاج 5/201.
[57472]:ينظر: المحرر الوجيز 5/343، والبحر المحيط 8/298، والدر المصون 6/348.
[57473]:ينظر: القرطبي (18/144).