ثم إنه تعالى بين حالهم عند ذلك الوعد وهو قوله : { فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ } ، أي : الموعود ، أو العذاب ، زلفة أي : قريباً ، فهو حال .
وقال القرطبيُّ{[57462]} : «مصدر ، بمعنى مزدلفاً ، أي : قريباً ، قاله مجاهد »{[57463]} .
ولا بد من حذف مضاف ، أي : ذا زلفة ، وجعل الزلفة مبالغة .
وقيل : «زُلْفَة » تقديره : مكاناً ذا زلفةٍ ، فينتصب انتصاب المصدرِ .
قال الحسنُ{[57464]} : عياناً . وأكثر المفسرين على أن المراد عذابُ الآخرةِ .
وقال مجاهدٌ : عذاب يوم بدر{[57465]} .
وقيل : رأوا ما يوعدون من الحشر قريباً منهم ، لقوله : { وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } .
وقال ابن عباس : يعني علمهم الشيء قريباً .
قوله : «سِيئَتْ » ، الأصل : «ساء » أحزن وجوههم العذاب ورؤيته ، ثم بني للمفعول ، وساء هنا ليست المرادفة ل «بئس » كما تقدم مراراً .
وأشم كسرة السين الضم{[57466]} : نافع وابن عامر والكسائي ، كما فعلوا ذلك في { سيء بِهِمْ }[ هود : 87 ] في «هود » كما تقدم . والباقون : بإخلاص الكسر ، وتقدم تحقيق هذا وتصريفه في أول «البقرة » ، وأن فيه لغات عند قوله : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ }[ البقرة : 11 ] .
قال ابن عباس{[57467]} : «سِيْئَتْ » أي : اسودت وعليها الكآبة والغبرة{[57468]} .
يقال : ساء الشيءُ يسوء ، فهو مسيء إذا قبح ، وساء يساء إذا قبح ، وهو فعل لازم ومتعدّ ، ومعنى { سِيئَتْ وُجُوهُ } ، أي : قبحت ، بان عليها الكآبةُ ، وغشيها الكسوفُ والقترة وكلحوا .
قال الزجاج{[57469]} : تبين فيها السوء ، أي : ساءهم ذلك العذاب ، وظهر على وجوههم سمة تدل على كفرهم ، كقوله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }[ آل عمران : 106 ] .
قوله : { وَقِيلَ هذا الذي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ } ، أي : قال لهم الخزنة .
قال الفراء : «تفتعلون » من الدعاء . وهو قول أكثر العلماءِ ، أي : تتمنون ، وتسألون .
وقال ابن عباس : تكذبون{[57470]} ، وتأويله : هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأحاديث ، قاله الزجاج{[57471]} .
وقرأ العامة : بتشديد الدال مفتوحة .
فقيل : من الدعوى ، أي : تدعون أنه لا جنة ولا نار ، قاله الحسنُ .
وقيل : من الدعاء ، أي : تطلبونه وتستعجلونه .
وقرأ الحسنُ وقتادةُ وأبو رجاء{[57472]} والضحاك ، ويعقوب وأبو زيد وأبو بكر وابن أبي عبلة ونافع في رواية الأصمعي : بسكون الدالِ ، وهي مؤيدة للقول بأنها من الدعاء في قراءة العامة .
وقال قتادة : هو قولهم : { رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا }{[57473]}[ ص : 16 ] .
وقال الضحاك : هو قولهم : { إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ }[ الأنفال : 32 ] الآية .
وقال النحاس : تدَّعون ، وتدْعون ، بمعنى واحد ، كما يقال : قدر واقتدر ، وعدى واعتدى ، إلا أن في «افتعل » معنى شيء بعد شيء ، و «فَعَل » يصح للقيل والكثير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.