اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّا بَلَوۡنَٰهُمۡ كَمَا بَلَوۡنَآ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ إِذۡ أَقۡسَمُواْ لَيَصۡرِمُنَّهَا مُصۡبِحِينَ} (17)

قوله : { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الجنة } . يريد أهل مكة ، والابتلاء : الاختبار . والمعنى : أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا ، فلما بطروا وعادوا محمداً صلى الله عليه وسلم ، ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أصحاب الجنَّة المعروف خبرها عندهم ، وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من «صنعاء » ، ويقال : بفرسخين ، كانت لرجل يؤدي حقَّ الله منها ، فلما مات صارت إلى ولده ، فمنعوا الناس خيرها ، وبخلوا بحق الله فيها ؛ فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حل بها .

قال الكلبيُّ : كان بينهم وبين «صنعاء » فرسخان ابتلاهم اللَّهُ بأن أحرق جنتهم{[57618]} .

وقيل : جنة بصوران على فراسخ من صنعاء ، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى - عليه الصلاة والسلام - بيسير .

وقيل : كانوا من بني إسرائيل .

وقيل : وكانوا من ثقيف ، وكانوا بخلاء ، وكانوا يجذون النخل ليلاً من أجل المساكين ، فأرادوا حصاد زرعها ، وقالوا : { لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } فغدوا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها { فَأَصْبَحَتْ كالصريم } أي : الليل ، ويقال أيضاً للنهار : صريم ، فإن كان أراد الليل ، فلاسوداد مواضعها وكأنهم وجدوا مواضعها حمأة ، وإن كان أراد بالصريم النهار ، فلذهاب الشجر والزَّرْع وخلو الأرض منه ، وكان الطائف الذي طاف عليها جبريل - عليه السلام - فاقتلعها .

فقيل : إنه طاف بها حول البيت ثم وضعها حيثُ مدينة الطائف اليوم ، ولذلك سميت الطائف ، وليس في أرض الحجازِ بلدة فيها الماء ، والشجر [ والزرع ] والأعناب غيرها .

وقال البكريُّ في المعجم{[57619]} : سميت الطائف ، لأن رجلاً من العرب يقالُ له : الدَّمُون ، بَنَى حائطاً ، وقال : إني قد بنيت لكم حائطاً حول بلدكم ، فسميت الطائف . والله أعلم .

قوله «إذ أقْسَمُوا » ، أي : حلفوا فيما بينهم «ليَصْرِمُنَّهَا » أي : ليجذُّنها «مُصْبحِيْنَ » أي : وقت الصباح قبل أن يخرج المساكين

17

قوله : «مُصْبحِيْنَ » حال من فاعل «ليَصْرمُنَّها » وهو من «أصبح » التامة ، أي داخلين في الصباح ، كقوله تعالى : { وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } [ الصافات : 137 ] وقوله : إذا سمعت بِسُرَى القين فاعلم بأنه مصبح ، والكاف في «كما » في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف ، أي : بلوناهم ابتلاء كما بلونا ، و «ما » مصدرية ، أو بمعنى «الذي » و «إذَا » منصوبة ب «بَلَوْنَا » و «ليَصْرمُنَّهَا » جواب للقسم ، وجاء على خلاف منطوقهم ، ولو جاء لقيل : «لنَصْرمُنَّهَا » بنون المتكلم .


[57618]:ينظر القرطبي (18/155).
[57619]:ينظر: معجم ما استعجم 1/67.