اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ} (7)

قوله : { سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ } ، أي : أرسلها وسلَّطها عليهم ، والتسخيرُ استعمال الشيء بالاقتدار .

وقال الزجاج : أقامها عليهم .

والجملة من قوله : «سخَّرها » يجوز أن تكون صفة ل «رِيْح » ، وأن تكون حالاً منها لتخصيصها بالصفة ، أو من الضمير في «عاتية » ، وأن تكون مستأنفةً .

قال ابنُ الخطيب{[57727]} : وعندي أنَّ فيه لطيفة ، وذلك أن في الناس من قال : إن تلك الرياحَ إنما اشتدت ؛ لاتصال فلكي نجومي اقتضى ذلك ، فقوله : «سخَّرهَا » فيه إشارة إلى نفي ذلك المذهب ، وأن ذلك إنَّما حصل بتقدير الله وقدرته ، فإنه لولا هذه الدقيقةُ لمَا حصل منه التخويفُ ، والتحذيرُ عن العقابِ .

وقوله : { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ } الفائدة فيه أنه - تعالى - لو لم يذكر ذلك لما كان مقدارُ زمان ذلك العذاب معلوماً ، فلما قال : { سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً } احتمل أن يكون متفرقاً في هذه المدةِ ، فأزال هذا الظنَّ بقوله : «حُسُوماً » أي : مُتتابِعَةٌ مُتواليةٌ .

فصل في تعيين الأيام المذكورة في الآية

قال وهبٌ : هي الأيامُ التي تسميها العرب أيام العجوزِ ، ذاتُ بردٍ ورياحٍ شديدةٍ .

وقيل : سمِّيت عجوزاً لأنها في عجزِ الشتاءِ .

وقيل : لأن عجوزاً من قوم عاد دخلت سرباً ، فتبعتها الريح فقتلتها في اليومِ الثامنِ من نزول العذاب ، وانقطع العذابُ .

قوله : «حُسُوْماً » . فيه أوجهٌ :

أحدها : أن ينتصب نعتاً لما قبلها .

الثاني : أن ينتصب على الحالِ ، أي : ذات حُسُوم .

وقرأ السدِّي{[57728]} : «حَسُوماً » - بالفتح - حالاً من الريح ، أي : سخرها عليهم مستأصلة .

الثالث : أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظها ، أي : تحسمهم حُسوماً .

الرابع : أن يكون مفعولاً له .

ويتضح ذلك بقول الزمخشريِّ : «الحُسُوْم » : لا يخلو من أن يكون جمع «حاسم » ك «شاهد » و «شهود » ، أو مصدراً «كالشَّكور » ، «والكفُور » ، فإن كانت جمعاً ، فمعنى قوله : «حُسُوْماً » أي : نحساتٌ حسمتْ كلَّ خيرٍ ، واستأصلت كُلَّ بركةٍ ، أو متتابعة هبوب الريح ما خفضت ساعة تمثيلاً لتتابعها بتتابُعِ فعل الحاسمِ في إعادة الكيِّ على الدَّاء كرَّة بعد أخرى حتى ينحسمَ .

وإن كان مصدراً فإما أن ينتصب بفعله مضمراً ، أي : تحسمهم حُسوماً بمعنى استأصل استئصالاً ، أو تكون صفة كقولك : ذات حسومٍ ، أو يكون مفعولاً له ، أي : سخرها عليهم للاستئصال .

قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي الشاعر : [ الوافر ]

4839 - فَفرَّقَ بَيْنَ بيْنِهمُ زمانٌ***تَتَابعَ فيهِ أعْوَامٌ حُسُومُ{[57729]}

انتهى . وقال المبرِّدُ : الحُسومُ : الفصلُ ، حسمتُ الشَّيء من الشيء فصلتهُ منه .

ومنه الحسام .

قال الشاعر : [ المتقارب ]

4840 - فأرْسلْتُ رِيحاً دَبُوراً عَقِيماً***فَدارَتْ عَليْهِمْ فكَانَتْ حُسُومَا{[57730]}

وقال الليثُ : هي الشُّؤمُ ، يقال : هذه ليالي الحسوم ، أي : تحسم الخير عن أهلها : لقوله تعالى :{ في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ }[ فصلت : 16 ] ، وهذان القولان يرجعان إلى القول الأول ؛ لأن الفصل قطعٌ وكذلك الشُّؤم لأنه يقطع الخير .

قال ابنُ زيدٍ : حَسَمتْهُمْ فلم تُبْقِ منهم أحداً{[57731]} ، وعنه أيضاً : أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها ؛ لأنها بدأت طلوع الشمس أول يوم ، وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم{[57732]} .

واختلف في أولها : فقال السدِّي : غداة يوم الأحدِ{[57733]} .

وقال الربيع بن أنس : غداة يوم الجمعة{[57734]} وقال يحيى بن سلام : غداة يوم الأربعاء{[57735]} ، وهو يوم النحس المستمر .

قيل : كان آخر أربعاء في السَّنة ، وآخرها يوم الأربعاء ، وهي في «آذار » من أشهر السريانيين ، ولها أسماء مشهورة ، قال فيها ابن أحمر : [ الكامل ]

4841 - كُسِعَ الشِّتاءُ بِسَبْعَةٍ غُبْر***أيَّامِ شَهْلتِنَا مع الشَّهْرِ

فإذَا انْقَضَتْ أيَّامُهَا ومضَتْ***صِنٌّ وصِنَّبرٌ مَعَ الوَبْرِ

وبآمِرٍ وأخِيهٍ مُؤتَمِرٍ***ومُعَلِّلٍ وبمطفئ الجَمْرِ

ذهَبَ الشِّتاءُ مُولِّياً عَجِلاً***وأتَتْكَ واقِدَةٌ من النَّجْرِ{[57736]}

وقال آخر : [ الكامل ]

4842 - كُسِيَ الشِّتاءُ بِسبْعَةٍ غُبْرِ***بالصِّنِّ والصِّنَّبْرٍ والوبْرِ

وبآمرٍ وأخِيهِ مُؤتَمِر***ٍومُجَلِّلٍ وبمطفئ الجَمْرِ{[57737]}

قوله : { فَتَرَى القوم فِيهَا صرعى } أي : في تلك الليالي والأيَّام «صرعى » جمع صريع ، وهي حال نحو : «قتيل وقتلى ، وجريح وجرحى » .

والضمير في «فيها » للأيام والليالي كما تقدم ، أو للبيوت أو للريح ، والأول أظهرُ لقُربهِ ؛ ولأنه مذكور .

قوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ } . أي : أصول نخلٍ ، و «كأنهم أعجازُ » حال من القوم ، أو مستأنفة .

وقرأ أبو نهيك{[57738]} : «أعْجُز » على وزن «أفْعُل » نحو : «ضَبْع وأضْبُع » .

وقرئ : «نخيل »{[57739]} حكاه الأخفشُ .

وقد تقدَّم أن اسم الجنس يذكَّر ويؤنَّثُ ، واختير هنا تأنيثُه للفواصلِ ، كما اختير تذكيره لها في سورة «القمر » .

وقال أبو الطُّفيل : أصول نخل خاوية ، أي : بالية .

وقيل : خاليةُ الأجوافِ لا شيء فيها .

قال القرطبيُّ{[57740]} : وقد قال تعالى في سورة «القمر » : { أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [ القمر : 20 ] فيحتمل أنَّهم شُبِّهُوا بالنخل التي صُرعت من أصلها وهو إخبار عن عظم أجسامهم ، ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع ، أي : أنَّ الريح قطعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية ، أي : أن الرِّيح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخل الخاوية الجوف .

وقال ابن شجرة : كانت الريحُ تدخل في أفواههم فتخرجُ ما في أجوافهم من الحشوِ من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية .

وقال يحيى بن سلام : إنما قال : الخاوية ، لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية .


[57727]:ينظر الفخر الرازي 30/92.
[57728]:ينظر: الكشاف 4/599، والبحر المحيط 8/316.
[57729]:البيت لعبد العزيز بن زرارة الكلبي. ينظر الكشاف 4/599، والبحر 8/314، والقرطبي 18/169، والدر المصون 6/362.
[57730]:ينظر البحر المحيط 8/134، والدر المصون 6/362.
[57731]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/209).
[57732]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/169).
[57733]:ذكره الماوردي في "تفسيره" (6/77) والقرطبي (18/169).
[57734]:ينظر المصدر السابق.
[57735]:ينظر المصدر السابق.
[57736]:ينظر القرطبي 18/169.
[57737]:تقدما.
[57738]:ينظر: البحر المحيط 8/316، والدر المصون 6/362.
[57739]:ينظر: الكشاف 4/600، والبحر المحيط 8/316، والدر المصون 6/362.
[57740]:الجامع لأحكام القرآن 18/169.