قوله تعالى : { والذين آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ } .
هؤلاء هم القسم الرابع من مؤمني زمان محمد عليه الصلاة والسلام ، الذين لم يوافقوا الرسول في الهجرة ، إلاَّ أنهم بعد ذلك هاجروا إليه وجاهدوا معه .
واختلفوا في قوله " مِنْ بعْدُ " فقال الواحدي ، عن ابن عبَّاسٍ " بعد الحديبية وهي الهجرة الثانية " {[17528]} .
وقيل : بعد نزول هذه الآية ، وقيل : بعد يوم بدر ، والأصحُّ أنَّ المراد : والذين هاجروا بعد الهجرة الأولى ، وهؤلاء هم التابعون بإحسان ، كما قال : { والذين اتبعوهم بِإِحْسَانٍ } [ التوبة : 100 ] والصحيح : أنَّ الهجرة انقطعت بفتح مكَّة ، لأنَّ مكة صارت بلد الإسلام .
وقال الحسن : " الهجرة غير منقطعة أبداً {[17529]} " . وأما قوله عليه الصلاة والسلام " لا هجْرةَ بعْدَ الفَتْحِ {[17530]} " فالمراد الهجرة المخصوصة ، فإنَّها انقطعت بالفتح وبقوة الإسلام ، أما لو اتفق في بعض الأمان كون المؤمنين في بلد ، وهم قليلون ، وللكافرين معهم شوكة ، وإن هاجروا المسلمون من تلك البلدة إلى بلد آخر ضعفت شوكة الكفار فهاهنا تلزمهم الهجرة على ما قاله الحسن ؛ لأنَّ العلة في الهجرة من مكة إلى المدينة قد حصلت فيهم .
قوله { فأولئك مِنكُمْ } أي : معكم ، يريد : أنتم منهم وهو منكم .
ثم قال : { وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله } .
قالوا : المراد بالولاية ولاية الميراث ، قالوا هذه الآية ناسخة ؛ لأنَّهُ تعالى بيَّن أنَّ الإرث كان بسبب الهجرة والنصرة ، والآن بعد نسخ ذلك فلا يحصل الإرث إلاَّ بسبب القرابة .
وقوله : { فِي كِتَابِ الله } أي : السهام المذكورة في سورة النّساء ، وأمَّا الذين فسَّروا الولاية بالنَّصرة والتَّعظيم قالوا " : إنَّ تلك الولاية لمَّا كانت محتملة للولاية بسبب الميراث بين الله تعالى في هذه الآية أنَّ ولاية الإرث إنَّما تحصل بسبب القرابة ، إلاَّ ما خصَّ الدليل ، فيكون المقصود من هذا الكلام إزالة هذا الوهم .
تمسَّك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في توريث ذوي الأرحام ، وأجيبوا بأن قوله : { وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } مجمل في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية .
فلما قال : { فِي كِتَابِ الله } كان معناه في الحكم الذي بيَّنه اللَّهُ في كتابه فصارت هذه الأولوية مقيَّدة بالأحكام التي بيَّنها اللَّهُ في كتابه وتلك الأحكام ليست إلاَّ ميراث العصبات ، فيكونُ المرادُ من هذا المجمل هو ذلك فقط ، فلا يتعدَّى إلى توريث ذوي الأرحام .
فإن قيل تمسكوا بهذه الآية في أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب ، لقوله : { وَأْوْلُواْ الأرحام بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] فدل على ثبوت الأولوية ، وليس في الآية شيء معين في ثبوت هذه الأولوية ؛ فوجب حمله على الكل ، إلاَّ ما خصّه الدَّليل ، فيندرج فيه الإمامة ، ولا يجوزُ أن يقال : إنَّ أبا بكر من أولي الأرحام ، لما نقل أنَّهُ عليه الصلاة والسلام أعطاه سورة براءة ليبلغها إلى القوم ثم بعت علياً خلفه وأمر أن يكون المبلغ هو علي ، وقال : " لا يُؤدِّيها إلاَّ رجلٌ مِنِّي " وذلك يدلُّ على أنَّ أبا بكر ما كان منه .
والجوابُ : إن صحَّت هذه الدلالة كان العباس أولى بالإمامةِ ؛ لأنَّهُ كان أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ عليٍّ .
قوله : { فِي كِتَابِ الله } يجوزُ أن يتعلَّق بنصّ أولها أي : أحق في حكم الله أو في القرن ، أو في اللوح المحفوظ ، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر ، أي : هذا الحكمُ المذكور في كتاب الله .
ثم قال : { إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } أي : أنَّ هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكمة وصواب ، وليس فيها شيء من العبث ؛ لأنَّ العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلاَّ بالصَّواب .
روى أنس قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ قَرَأ سُورة الأنفال وبراءة فأنَّا شَفِيعٌ لَهُ يوم القيامة ، وشاهد أنَّه بريءٌ منَ النِّفاق وأعطي من الأجْرِ بعددِ كُلِّ مُنافقٍ ومُنافِقَةٍ في دارِ الدُّنْيَا عشر حسناتٍ ، ومُحِيَ عنه عشرُ سيئاتِ ، ورفع لهُ عشرُ درجاتٍ ، وكان العَرْشَ وحملته يُصَلُّون عليه أيَّام حياتِهِ في الدنيا " {[1]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.