قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } الآية .
قال الكلبي ، ومقاتل ، وقتادةُ : " إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير في غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة نفر من المنافقين ، اثنان يستهزئان بالقرآن والرسول ، والآخر يضحك{[17954]} .
قيل : كانوا يقولون : إنَّ محمداً يزعم أنه يغلب الروم ، ويفتح مدائنهم ، هيهات هيهات ما أبعده عن ذلك .
وقيل : كانوا يقولون : إنَّ محمداً يزعمُ أنَّهُ نزل في أصحابنا المقيمين بالمدينة قرآن ، وإنما هو قوله وكلامه ، فأطلع اللهُ نبيهُ صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال : " احبسُوا الرَّكبَ عليَّ " فدعاهُم وقال لهُم : " قُلْتُم كذا وكذا " فقالوا : إنَّما كُنَّا نتحدثُ ونخوض في الكلامِ ، كما يفعلُ الرَّكبُ لقطع الطريق بالحديث واللعب " .
قال ابن عمر : " رأيتُ عبد الله بن أبيّ يشتد قدام النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه ، وهو يقولُ : " إنَّما كُنَّا نخوضُ ونلعبُ " . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " أباللهِ وآياتهِ ورسولهِ كُنتُم تَسْتهزِئُونَ " . ولا يلتفتُ إليه{[17955]} " .
وقال أبُو مسلم : قوله : { يَحْذَرُ المنافقون أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [ التوبة : 64 ] إنَّ القوم أظهروا هذا الخبر استهزاء ، فبيَّن تعالى في هذه الآية أنَّهُ إذا قيل لهم : لِمَ فعلتُم ذلك ؟ قالوا : لم نقل ذلك إلاَّ لأجل أنا كنا نخوض ونلعب .
قال الواحديُّ : أصل الخوض الدخول في مائع مثل الماء والطين ، ثم كثر حتى صار اسماً لكل دخول فيه تلويث وأذى ، والمعنى : إنَّما كُنَّا نخوضُ في الباطل من الكلام كما يخوض الركب لقطع الطريق ، فأجابهم الرسولُ بقوله : " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون " .
قوله : " . . . أباللهِ . . . " متعلقٌ بقوله : " تَستهْزئُونَ " . و " تَسْتهْزِئُونَ " خبرُ " كان " وفيه دليلٌ على تقديم خبر " كان " عليها ؛ لأنَّ تقديم المعمول يؤذن بتقديم العامل ، وقد تقدَّم معمول الخبر على " كان " فليَجُزْ تقديمه بطريق الأولى .
وفيه بحث ، وذلك أنَّ ابن مالك قدح في هذا الدَّليل ، بقوله تعالى : { فَأَمَّا اليتيم فَلاَ تَقْهَرْ وَأَمَّا السآئل فَلاَ تَنْهَرْ } [ الضحى : 9 ، 10 ] قال : ف " اليتيم " ، والسائل قد تقدما على " لا " الناهية ، والعاملُ فيهما ما بعدهما ولا يجوز تقديم ما بعد " لا " الناهية عليها ، لكونه مجزوماً بها ، فقد تقدَّم المعمولُ ، حيث لا يتقدَّم للعامل ذكر ، ذكر ذلك عند استدلالهم على جواز تقديم خبر " ليس " بقوله { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } [ هود : 8 ] .
فرق بين قولك : أتستهزىء بالله ، وبين قولك : أبالله تستهزىء ، فالأوَّلُ يقتضي الإنكار على عمل الاستهزاء ، والثاني يقتضي الإنكار على إيقاع الاستهزاء في الله ، كأنه يقول : هَبْ أنك تقدم على الاستهزاء إلا أنه كيف أقدمت على إيقاع الاستهزاء في الله كقوله تعالى : { لاَ فِيهَا غَوْلٌ } [ الصافات : 47 ] والمقصود : ليس نفي الغول ، بل نفي أن يكون خمر الجنَّة محلاًّ للغول . ومعنى الاستهزاء بالله : هو الاستهزاء بتكاليفِ الله ، والاستهزاء بذكر الله ، فإنَّ أسماء الله قد يستهزىء بها الكافرُ ، كما أنَّ المؤمن يعظمها . والمرادُ بالاستهزء ب " آيَاتِهِ " هو القرآن ، وسائر ما يدلُّ على الدين ، والرسول معلوم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.