قوله تعالى : { فَإِن رَّجَعَكَ الله } الآية .
" رَجَعَ " يتعدَّى كهذه الآية الكريمة ، ومصدرُهُ : " الرَّجْع " ، كقوله { والسماء ذَاتِ الرجع } [ الطارق : 11 ] . ولا يتعدَّى ، نحو : { وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء : 35 ] في قراءة من بَنَاهُ للفاعل . والمصدر : الرُّجوعُ ، كالدُّخُولِ .
والمعنى : فإن ردَّك الله من غزوة تبوك إلى المدينة ، ومعنى " الرجع " مصير الشَّيء إلى المكان الذي كان فيه ، يقال : رجعته رجعاً ، كقولك : رددته رداً .
وقوله : { إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ } إنَّما خصَّصَ ؛ لأنَّ جميع من أقام بالمدينة ما كانوا منافقين ، بل كان بعضهم مخلصين معذورين ، { فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ } معك في غزوة أخرى { فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً } في سفر ، { وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً } وهذا يجري مجرى الذَّم واللَّعن لهم ، ومجرى إظهار نفاقهم وفضائحهم ؛ لأنَّ ترغيب المسلمين في الجهاد أمرٌ معلومٌ بالضَّرورة من دين محمَّد عليه الصلاة والسلام ، ولمَّا منعوا هؤلاء من الخروج إلى الغزو بعد ذلك الاستئذان ، كان ذلك تصريحاً بكونهم خارجين عن الإسلام ، ونظيره قوله تعالى { سَيَقُولُ المخلفون إِذَا انطلقتم } [ الفتح : 15 ] { قُل لَّن تَتَّبِعُونَا } [ الفتح : 15 ] ، ثم إنَّه تعالى علَّل ذلك المنع بقوله { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ } أي : لأنكم رضيتم { بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ } في غزوة تبوك .
قال أبُو البقاءِ : " أوَّل مرَّةٍ " ظرف . قال أبُو حيَّان{[18010]} " يعني ظرف زمان وهو بعيد " .
قال شهابُ الدِّين{[18011]} " لأنَّ الظَّاهر منصوبةٌ على المصدر . وفي التفسير : أول خرجةٍ خرجها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فالمعنى : أول مرَّة من الخروج " .
قال الزمخشريُّ " فإن قلت : " مَرَّةٍ " نكرة ، وضعت موضع المرات ، للتفضيل ، فلمَ ذُكِرَ اسمُ التفضيل المضافُ إليها ، وهو دالٌّ على واحدةٍ من المرَّاتِ ؟ قلت : أكثرُ اللُّغتين : أن يقال هند أكبرُ النساء ، وهي أكبرهنَّ ، ثم إنَّ قولك : هي كبرى امرأة ، لا يكادُ يُعثر عليه ، ولكن هي أكبر امرأة ، وأول مرة وآخر مرة " .
والمعنى : أنَّ الحاجةَ في المرَّة الأولى إلى موافقتكم كانت أشدّ ، وبعد ذلك زالت تلك الحاجة فلما تخلَّفْتُم عند مسيس الحاجة إلى حضُورِكُم ؛ فبعد ذلك لا نقبلكم ، ولا نلتفتُ إليكم .
قوله : " مَعَ الخالفين " هذا الظَّرفُ يجوز أن يكون متعلقاً ب " اقْعُدُوا " ، ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ ؛ لأنَّه حال من فاعل " اقْعُدُوا " . والخَالِفُ : المتخلِّفُ بعد القوم .
قال الأخفشُ ، وأبو عبيده : " الخَالِفُونَ " جمع ، واحدهم " خالف " ، وهو من يخلف الرجل في قومه . والمعنى : مع الخالفينَ من الرِّجال الذين يخلفون في البيت ، فلا يبرحون .
وقال الفرَّاءُ : المراد : ب " الخَالِفينَ " " المخالفين " ، يقالُ : عبد خالف ، إذا كان مخالفاً . وقال الأخفشُ : فلان خالفةُ أهل بيته إذا كان مخالفاً لهم ، وقال الليثُ : يقال هذا رجل خالفةٌ ، أي : مخالف كثير الخلاف ، فإذا جمع قلت : الخالفُونَ . وقال الأصمعيُّ : الخالفُ : هو الفاسد ، يقال : خلف فلان عن كل خير يخلف خلوفاً ، إذا فسد ومنه " خُلُوف فَمِ الصَّائمِ " ، والمراد بهم : النِّساءُ والصبيانُ والرِّجالُ العاجزون ؛ فلذلك جازَ جمعهُ للتَّغليب . وقال قتادةُ : الخَالِفُونَ : النِّسَاء " {[18012]} وهو مردودٌ ، لأجْلِ الجمع . وقرأ عكرمة ، ومالكُ{[18013]} بن دينارٍ " مَعَ الخَلِفينَ " مَقصُوراً من " الخَالِفِينَ " ؛ كقوله : [ الرجز ]
مِثْلُ النَّقَا لَبَّدَهُ ضَرْبُ الظِّلَلْ{[18014]}
. . . عَرِدَا *** . . . بَرِدَا{[18015]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.