مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

التحقيق في قوله تعالى : { سنفرغ لكم أيها الثقلان ، فبأي آلاء ربكما تكذبان } ولنذكر أولا ما قيل فيه تبركا بأقوال المشايخ ثم نحققه بالبيان الشافي فنقول : اختلف المفسرون فيه وأكثرهم على أن المراد سنقصدكم بالفعل ، وقال بعضهم : خرج ذلك مخرج التهديد على ما هي عادة استعمال الناس فإن السيد يقول لعبده عند الغضب : سأفرغ لك ، وقد يكون السيد فارغا جالسا لا يمنعه شغل ، وأما التحقيق فيه ، فنقول : عدم الفراغ عبارة عن أن يكون الفاعل في فعل لا يمكنه معه إيجاد فعل آخر فإن من يخيط يقول : ما أنا بفارغ للكتابة ، لكن عدم الفراغ قد يكون لكون أحد الفعلين مانعا للفاعل من الفعل الآخر ، يقال : هو مشغول بكذا عن كذا كما في قول القائل : أنا مشغول بالخياطة عن الكتابة ، وقد يكون عدم الفراغ لكون الفعل مانعا من الفعل لا لكونه مانعا من الفاعل كالذي يحرك جسما في زمان لا يمكن تسكينه في ذلك الزمان فهو ليس بفارغ للتسكين ، ولكن لا يقال في مثل هذا الوقت أنا مشغول بالتحريك عن التسكين ، فإن في مثل هذا الموضع لو كان غير مشغول به بل كان في نفس المحل حركة لا بفعل ذلك الفاعل لا يمكنه التسكين فليس امتناعه منه إلا لاستحالته بالتحريك ، وفي الصورة الأولى لولا اشتغاله بالخياطة لتمكن من الكتابة ، إذا عرفت هذا صار عدم الفراغ قسمين ( أحدهما ) بشغل والآخر ليس بشغل ، فنقول : إذا كان الله تعالى باختياره أوجد الإنسان وأبقاه مدة أرادها بمحض القدرة والإرادة لا يمكن مع هذا إعدامه ، فهو في فعل لا يمنع الفاعل لكن يمنع الفعل ومثل هذا بينا أنه ليس بفراغ ، وإن كان له شغل ، فإذا أوجد ما أراد أولا ثم بعد ذلك أمكن الإعدام والزيادة في آنه فيتحقق الفراغ لكن لما كان للإنسان مشاهدة مقتصرة على أفعال نفسه وأفعال أبناء جنسه وعدم الفراغ منهم بسبب الشغل يظن أن الله تعالى فارغ فحمل الخلق عليه أنه ليس بفارغ ، فيلزم منه الفعل وهو لا يشغله شأن عن شأن يلزمه حمل اللفظ على غير معناه ، واعلم أن هذا ليس قولا آخر غير قول المشايخ ، بل هو بيان لقولهم : سنقصدكم ، غير أن هذا مبين ، والحمد لله على أن هدانا للبيان من غير خروج عن قول أرباب اللسان . واعلم أن أصل الفراغ بمعنى الخلو ، لكن ذلك إن كان في المكان فيتسع ليتمكن آخر ، وإن كان في الزمان فيتسع للفعل ، فالأصل أن زمان الفاعل فارغ عن فعله وغير فارغ لكن المكان مرئي بالخلو فيه ، فيطلق الفراغ على خلو المكان في الظرف الفلاني والزمان غير مرئي ، فلا يرى خلوه . ويقال : فلان في زمان كذا فارغ لأن فلانا هو المرئي لا الزمان والأصل أن هذا الزمان من أزمنة فلان فارغ فيمكنه وصفه للفعل فيه ، وقوله تعالى : { سنفرغ لكم } استعمال على ملاحظة الأصل ، لأن المكان إذا خلا يقال : لكذا ولا يقال : إلى كذا فكذلك الزمان لكن لما نقل إلى الفاعل وقيل : الفاعل على فراغ وهو عند الفراغ يقصد إلى شيء آخر قيل في الفاعل : فرغ من كذا إلى كذا ، وفي الظرف يقال : فرغ من كذا لكذا فقال لكم على ملاحظة الأصل ، وهو يقوي ما ذكرنا أن المانع ليس بالنسبة إلى الفعل بل بالنسبة إلى الفعل . وأما أيها فنقول : الحكمة في نداء المبهم والإتيان بالوصف بعده هي أن المنادي يريد صون كلامه عن الضياع ، فيقول أولا : يا أي نداء لمبهم ليقبل عليه كل من يسمع ويتنبه لكلامه من يقصده ، ثم عند إقبال السامعين يخصص المقصود فيقول : الرجل والتزم فيه أمران ( أحدهما ) الوصف بالمعرف باللام أو باسم الإشارة ، فتقول : يا أيها الرجل أو يا أيهذا لا الأعرف منه وهو العلم ، لأن بين المبهم الواقع على كل جنس والعلم المميز عن كل شخص تباعدا ( وثانيهما ) توسط هاء التنبيه بينه وبين الوصف لأن الأصل في أي الإضافة لما أنه في غاية الإبهام فيحتاج إلى التمييز ، وأصل التمييز على ما بينا الإضافة ، فوسط بينهما لتعويضه عن الإضافة ، والتزم أيضا حذف لام التعريف عند زوال أي فلا تقول : يا الرجل لأن في ذلك تطويلا من غير فائدة ، فإنك لا تفيد باللام التنبيه الذي ذكرنا ، فقولك : يا رجل مفيد فلا حاجة إلى اللام فهو يوجب إسقاط اللام عند الإضافة المعنوية ، فإنها لما أفادت التعريف كان إثبات اللام تطويلا من غير فائدة لكونه جمعا بين المعرفين ، وقوله تعالى : { الثقلان } المشهور أن المراد الجن والإنس وفيه وجوه ( أحدها ) أنهما سميا بذلك لكونهما مثقلين بالذنوب ( ثانيهما ) سميا بذلك لكونهما ثقيلين على وجه الأرض فإن التراب وإن لطف في الخلق ليتم خلق آدم لكنه لم يخرج عن كونه ثقيلا ، وأما النار فلما ولد فيها خلق الجن كثفت يسيرا ، فكما أن التراب لطف يسيرا فكذلك النار صارت ثقيلة ، فهما ثقلان فسميا بذلك ( ثالثها ) الثقيل أحدهما : لا غير وسمي الآخر به للمجاورة والاصطحاب كما يقال : العمران والقمران وأحدهما عمر وقمر ، أو يحتمل أن يكون المراد العموم بالنوعين الحاصرين ، تقول : يا أيها الثقل الذي هو كذا ، والثقل الذي ليس كذا ، والثقل الأمر العظيم . قال عليه السلام : " إني تارك فيكم الثقلين » " .

 
المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

31- فسنتفرغ لحسابكم يوم القيامة أيها الجن والإنس .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

سنفرغ لكم أيها الثقلان أي سنتجرد لحسابكم وجزائكم وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل فيه غيره وقيل تهديد مستعار من قولك لمن تهدده سأفرغ لك فإن المتجرد للشيء كان أقوى وأجد فيه وقرأ حمزة والكسائي بالياء وقرئ سنفرغ إليكم أي سنقصد إليكم و الثقلان الإنس والجن سميا بذلك لثقلهما على الأرض أو لرزانة رأيهما وقدرهما أو لأنهما مثقلان بالتكليف .

 
لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

قوله جل ذكره : { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ } .

أي للحساب يومَ القيامة - وليس به اشتغالٌ . . . تعالى اللَّهُ عن ذلك .

ومعنى الآية : سنقصد لحسابكم .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سنفرغ لكم أيها الثقلان } الفراغ هنا : القصد إلى الشيء والإقبال عليه . يقال : فرغ له وإليه – كمنع وسمع ونصر – قصد . وسأفرغ لفلان : سأجله قصدى . والثقلان : الإنس والجن ؛ تتنية ثقل ، بفتحتين . وأصله سنقصده يوم القيامة إلى محاسبتكم ومجازاتكم على ما قدمتم من الأعمال ، وسيكون ذلك شأننا في هذا اليوم فحسب !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

سنفرُغ لكم : هو مجرد تهديد لأن الله تعالى لا يشغله شيء ، والمعنى سنحاسبكم . أيها الثقلان : الإنس والجن .

سنحاسِبُكم أيها الإنسُ والجنّ يومَ القيامة ، وهذا وعيدٌ شديد من الله لعباده ، فإن الله تعالى لا يَشغَله شيء .

قراءات :

قرأ حمزة والكسائي : سيفرغ لكم بالياء . والباقون : سنفرُغ لكم بالنون .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ } الفراغ في اللعنة يقتضي سابقة شغل .

والفراغ للشيء يقتضي لأحقيته أيضاً ، والله سبحانه لا يشغله شأن عن شأن فجعل انتهاء الشؤون المشار إليها بقوله تعالى : { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ شَأْنٍ } [ الرحمن : 29 ] يوم القيامة إلى واحد هو جزاء المكلفين فراغاً لهم على سبيل التمثيل لأن من ترك أشغاله إلى شغل واحد يقال : فرغ له وإليه فشبه حال هؤلاء وأخذه تعالى في جزائهم فحسب بحال من فرغ له ، وجازت الاستعارة التصريحية التبعية في { سَنَفْرُغُ } بأن يكون المراد سنأخذ في جزائكم فقط الاشتراك الأخذ في الجزاء فقط ، والفراغ عن جميع المهام إلى واحد في أن المعنى به ذلك الواحد ، وقيل : المراد التوفر في الانتقام والنكاية ، وذلك أن الفراغ للشيء يستعمل في التهديد كثيراً كأنه فرغ عن كل شيء لأجله فلم يبق له شغل غيره فيدل على التوفر المذكور ، وهو كناية فيمن يصح عليه ، ومجاز في غير كالذي نحن فيه ، ولعل مراد ابن عباس . والضحاك بقولهما كما أخرج ابن جرير عنهما هذا وعيد من الله تعالى لعباده ما ذكر ، والخطاب عليه قيل : للمجرمين ، وتعقب بأن النداء الآتي يأباه ، نعم المقصود بالتهديد هم ، وقيل : لا مانع من تهديد الجميع ، ثم إن هذا التهديد إنما هو بما يكون يوم القيامة ، وقول ابن عطية : يحتمل أن يكون ذلك توعداً بعذاب الدنيا مما لا يكاد يلتفت إليه ، وقيل : إن فرغ يكون بمعنى قصد ، واستدل عليه بما أنشده ابن الأنباري لجرير

: ألان وقد ( فرغت ) إلى نمير *** فهذا حين كنت لهم عذاباً

أي قصدت ، وأنشد النحاس

: فرغت إلى العبد المقيد في الحجل *** وفي الحديث «لأتفرغن لك يا خبيث » قال صلى الله عليه وسلم مخاطباً به أزب العقبة يوم بيعتها أي لأقصدن إبطال أمرك ، ونقل هذا عن الخليل . والكسائي . والفراء ، والظاهر أنهم حملوا ما في الآية على ذلك ، فالمراد حينئذ تعلق الإرادة تعلقاً تنجيزياً بجزائهم ، وقرأ حمزة . والكسائي . وأبو حيوة . وزيد بن علي سيفرغ بياء الغيبة ، وقرأ قتادة . والأعرج { سَنَفْرُغُ } بنون العظمة . وفتح الراء مضارع فرغ بكسرها وهو لغة تميم كما أن { سَنَفْرُغُ } في قراءة الجمهور مضارع فرغ بفتحها لغة الحجاز ، وقرأ أبو السمال . وعيسى { سَنَفْرُغُ } بكسر النون وفتح الراء وهي على ما قال أبو حاتم لغة سفلى مضر ، وقرأ الأعمش . وأبو حيوة بخلاف عنهما . وابن أبي عبلة . والزعفراني سيفرغ بضم الياء وفتح الراء مبنياً للمفعول ؛ وقرأ عيسى أيضاً { سَنَفْرُغُ } بفتح النون وكسر الراء ، والأعرج أيضاً سيفرغ بفتح الياء والراء وهي لغة ، وقرئ سأفرغ بهمزة المتكلم وحده ، وقرأ أبيّ { سَنَفْرُغُ } إليكم عداه بإلى فقيل : للحمل على القصد ، أو لتضمينه معناه أي { سَنَفْرُغُ } قاصدين إليكم .

{ أَيُّهَ الثقلان } هما الإنس والجن من ثقل الدابة وهو ما يحمل عليها جعلت الأرض كالحمولة والإنس والجن ثقلاها ، وما سواهما على هذا كالعلاوة ، وقال غير واحد : سميا بذلك لثقلهما على الأرض ، أو لرزانة رأيهما وقدرهما وعظم شأنهما . ويقال لكل عظيم القدر مما يتنافس فيه : ثقل ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي » وقيل : سميا بذلك لأنهما مثقلان بالتكليف ، وعن الحسن لثقلهما بالذنوب .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

شرح الكلمات :

{ سنفرغ لكم أيها الثقلان } : أي لحسابكم ومجازاتكم بعد انتهاء هذه الحياة الدنيا ونجزى كلاً بما عمل .

/د31

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{سَنَفۡرُغُ لَكُمۡ أَيُّهَ ٱلثَّقَلَانِ} (31)

{ 31-32 } { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

{ سَنَفْرُغُ لكم أيها الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان } أي : سنفرغ لحسابكم ومجازاتكم بأعمالكم التي عملتموها في دار الدنيا .