مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (93)

ثم قال يوسف عليه السلام : { اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبى يأت بصيرا } قال المفسرون : لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه ، فأعطاهم قميصه ، قال المحققون : إنما عرف أن إلقاء ذلك القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى ولولا الوحي لما عرف ذلك ، لأن العقل لا يدل عليه ويمكن أن يقال : لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء وضيق القلب ضعف بصره فإذا ألقي عليه قميصه فلا بد أن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد ، وذلك يقوي الروح ويزيل الضعف عن القوي ، فحينئذ يقوى بصره ، ويزول عنه ذلك النقصان ، فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى ، وقوله : { يأت بصيرا } أي يصير بصيرا ويشهد له { فارتد بصيرا } ويقال : المراد يأت إلي وهو بصير ، وإنما أفرده بالذكر تعظيما له ، وقال في الباقين : { وأتوني بأهلكم أجمعين } قال الكلبي : كان أهله نحوا من سبعين إنسانا وقال مسروق دخل قوم يوسف عليه السلام مصر . وهم ثلاثة وتسعون من بين رجل وامرأة ، وروي أن يهودا حمل الكتاب وقال أنا أحزنته بحمل القميص الملطخ بالدم إليه فأفرحه كما أحزنته . وقيل حمله وهو حاف وحاسر من مصر إلى كنعان وبينهما مسيرة ثمانين فرسخا .