البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱذۡهَبُواْ بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلۡقُوهُ عَلَىٰ وَجۡهِ أَبِي يَأۡتِ بَصِيرٗا وَأۡتُونِي بِأَهۡلِكُمۡ أَجۡمَعِينَ} (93)

ولما دعا لهم بالمغفرة أخبر عن الله بالصفة التي هي سبب الغفران ، وهو أنه تعالى أرحم الرحماء ، فهو يرجو منه قبول دعائه لهم بالمغفرة .

والباء في بقميصي الظاهر أنها للحال أي : مصحوبين أو ملتبسين به .

وقيل : للتعدية أي : اذهبوا بقميصي ، أي احملوا قميصي .

قيل : هو القميص الذي توارثه يوسف وكان في عنقه ، وكان من الجنة ، أمره جبريل عليه السلام أنْ يرسله إليه فإن فيه ريح الجنة ، لا يقع على مبتلى ولا سقيم إلا عوفي .

وقيل : كان لابراهيم كساه الله إياه من الجنة حين خرج من النار ، ثم لإسحاق ، ثم ليعقوب ، ثم ليوسف .

وقيل : هو القميص الذي قدّ من دبر ، أرسله ليعلم يعقوب أنه عصم من الفاحشة .

والظاهر أنه قميص من ملبوس يوسف بمنزلة قميص كل واحد ، قال ذلك : ابن عطية .

وهكذا تتبين الغرابة في أنْ وجد يعقوب ريحه من بعد ، ولو كان من قمص الجنة ما كان في ذلك غرابة ولوجده كل أحد .

وقوله : فألقوه على وجه أبي يأت بصيراً ، يدل على أنه علم أنه عمى من الحزن ، إما بإعلامهم ، وإما بوحي .

وقوله : يأت بصيراً ، يظهر أنه بوحي .

وأهلوه الذين أمر بأن يؤتي بهم سبعون ، أو ثمانون ، أو ثلاثة وتسعون ، أو ستة وتسعون ، أقوال أولها للكلبي وثالثها المسروق .

وفي واحد من هذا العدد حلوا بمصر ونموا حتى خرج من ذريتهم مع موسى عليه السلام ستمائة ألف .

ومعنى : يأت ، يأتيني ، وانتصب بصيراً على الحال .