مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{فَلَمَّآ أَن جَآءَ ٱلۡبَشِيرُ أَلۡقَىٰهُ عَلَىٰ وَجۡهِهِۦ فَٱرۡتَدَّ بَصِيرٗاۖ قَالَ أَلَمۡ أَقُل لَّكُمۡ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (96)

وقوله : { فلما أن جاء البشير } في «أن » قولان : الأول : أنه لا موضع لها من الإعراب وقد تذكر تارة كما ههنا ، وقد تحذف كقوله : { فلما ذهب عن إبراهيم الروع } والمذهبان جميعا موجودان في أشعار العرب . والثاني : قال البصريون هي مع «ما » في موضع رفع بالفعل المضمر تقديره : فلما ظهر أن جاء البشير ، أي ظهر البشير فأضمر الرافع قال جمهور المفسرين البشير هو يهودا قال أنا ذهبت بالقميص الملطخ بالدم وقلت إن يوسف أكله الذئب فأذهب اليوم بالقميص فأفرحه كما أحزنته قوله : { ألقاه على وجهه } أي طرح البشير القميص على وجه يعقوب أو يقال ألقاه يعقوب على وجه نفسه { فارتد بصيرا } أي رجع بصيرا ومعنى الارتداد انقلاب الشيء إلى حالة قد كان عليها وقوله : { فارتد بصيرا } أي صيره الله بصيرا كما يقال طالت النخلة والله تعالى أطالها واختلفوا فيه فقال بعضهم : إنه كان قد عمي بالكلية فالله تعالى جعله بصيرا في هذا الوقت . وقال آخرون : بل كان قد ضعف بصره من كثرة البكاء وكثرة الأحزان ، فلما ألقوا القميص على وجهه ، وبشر بحياة يوسف عليه السلام عظم فرحه وانشرح صدره وزالت أحزانه ، فعند ذلك قوي بصره وزال النقصان عنه ، فعند هذا قال : { ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون } والمراد علمه بحياة يوسف من جهة الرؤيا ، لأن هذا المعنى هو الذي له تعلق بما تقدم ، وهو إشارة إلى ما تقدم من قوله : { إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون } روي أنه سأل البشير وقال : كيف يوسف قال هو ملك مصر ، قال : ما أصنع بالملك على أي دين تركته قال : على دين الإسلام قال : الآن تمت النعمة ،