أما قوله : { قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما } . فاعلم أنه سبحانه لما شرح صفات المتقين ، وشرح حال ثوابهم أمر رسوله أن يقول : { قل ما يعبؤ بكم ربي لولا دعاؤكم } فدل بذلك على أنه تعالى غني عن عبادتهم ، وأنه تعالى إنما كلفهم لينتفعوا بطاعتهم وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الخليل ما أعبأ بفلان أي ما أصنع به كأنه يستقله ويستحقره ، وقال أبو عبيدة ما أعبأ به أي وجوده وعدمه عندي سواء ، وقال الزجاج معناه أي لا وزن لكم عند ربكم ، والعبء في اللغة الثقل ، وقال أبو عمرو بن العلاء ما يبالي بكم ربي .
المسألة الثانية : في { ما } قولان أحدهما أنها متضمنة لمعنى الاستفهام وهي في محل النصب وهي عبارة عن المصدر ، كأنه قيل وأي عبء يعبأ بكم لولا دعاؤكم ، والثاني أن تكون ما نافية .
المسألة الثالثة : ذكروا في قوله : { لولا دعاؤكم } وجهين : أحدهما : لولا دعاؤه إياكم إلى الدين والطاعة والدعاء على هذا مصدر مضاف إلى المفعول . وثانيهما : أن الدعاء مضاف إلى الفاعل وعلى هذا التقدير ذكروا فيه وجوها : أحدها : لولا دعاؤكم لولا إيمانكم . وثانيها : لولا عبادتكم . وثالثها : لولا دعاؤكم إياه في الشدائد كقوله : { فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله } . ورابعها : دعاؤكم يعني لولا شكركم له على إحسانه لقوله : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم } . وخامسها : ما خلقتكم وبي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم .
أما قوله : { فقد كذبتم } فالمعنى أني إذا أعلمتكم أن حكمي أني لا أعتد بعبادي إلا لعبادتهم فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم وهو عقاب الآخرة ، ونظيره أن يقول الملك لمن استعصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ، وقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك . فإن قيل إلى من يتوجه هذا الخطاب ؟ قلنا إلى الناس على الإطلاق ، ومنهم عابدون ومكذبون عاصون ، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب ، وقرئ فقد كذب الكافرون فسوف يكون العذاب لزاما ، وقرئ { لزاما } بالفتح بمعنى اللزوم كالثبات والثبوت ، والوجه أن ترك اسم كان غير منطوق به بعد ما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام ويتناول ما لا يحيط به الوصف ، ثم قيل هذا العذاب في الآخرة ، وقيل كان يوم بدر وهو قول مجاهد رحمه الله ، والله أعلم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.