مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ} (41)

قوله تعالى : { قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين وصدها ما كانت تعبد من دون الله إنها كانت من قوم كافرين } .

اعلم أن قوله : { نكروا } معناه اجعلوا العرش منكرا مغيرا عن شكله كما يتنكر الرجل للناس لئلا يعرفوه ، وذلك لأنه لو ترك على ما كان لعرفته لا محالة ، وكان لا تدل معرفتها به على ثبات عقلها وإذا غير دلت معرفتها أو توقفها فيه على فضل عقل ، ولا يمتنع صحة ما قيل إن سليمان عليه السلام ألقى إليه أن فيها نقصان عقل لكي لا يتزوجها أو لا تحظى عنده على وجه الحسد ، فأراد بما ذكرنا اختبار عقلها .

أما قوله : { ننظر } فقرئ بالجزم على الجواب وبالرفع على الاستئناف ، واختلفوا في { أتهتدي } على وجهين : أحدهما : أتعرف أنه عرشها أم لا ؟ كما قدمنا . الثاني : أتعرف به نبوة سليمان أم لا ولذلك قال : { أم تكون من الذين لا يهتدون } وذلك كالذم ولا يليق إلا بطريقة الدلالة ، فكأنه عليه السلام أحب أن تنظر فتعرف به نبوته من حيث صار متنقلا من المكان البعيد إلى هناك ، وذلك يدل على قدرة الله تعالى وعلى صدق سليمان عليه السلام ، ويعرف بذلك أيضا فضل عقلها لأغراض كانت له ، فعند ذلك سألها .