اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ نَكِّرُواْ لَهَا عَرۡشَهَا نَنظُرۡ أَتَهۡتَدِيٓ أَمۡ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهۡتَدُونَ} (41)

قوله تعالى : { نَكِّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا } أي : غيّروا لها سريرها إلى حال تُنْكِرُه إذا رأته ، وذلك أنه إذا تُرِك على حاله عرفته لا محالة . وإذا غُيّر دلت معرفتها على فضل عقل .

قوله : «نَنْظُرْ » العامة على جزمه جواباً للأمر قبله ، وأبو حيوة بالرفع{[39040]} ، جعله استئنافاً{[39041]} .

فصل :

روي أنه جعل أسفله أعلاه ، وأعلاه أسفله ، وجعل مكان الجوهر الأحمر أخضر ومكان الأخضر أحمر{[39042]} . «نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي » إلى عرشها فتعرفه ، أم تكون من الجاهلين الذين لا يهتدون إليه ، وقيل : أتعرف به نبوة سليمان ولذلك قال : { أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ } إليه ، وذلك كالذم ، ولا يليق إلا بطريق الدلالة ، فكأنه - عليه السلام - أحب أن تنظر فتعرف به نبوته ، حيث صار منتقلاً من المكان البعيد إلى هناك{[39043]} ، وذلك يدل على كمال قدرة الله تعالى ، وعلى صدق سليمان{[39044]} - عليه السلام{[39045]} - . ويعرف بذلك أيضاً فضل عقلها ، لأنه روي أنه ألقِي إليه نقصان عقلها ، لكي لا يتزوجها - كما ذكر وهب ومحمد بن كعب وغيرهما - أن الشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فتفشي إليه أسرار الجن ، وذلك أن أمّها كانت جنية ، وإذا ولدت ولداً لا ينكفون من تسخير سليمان وذريته من بعده ، فأساءوا الثناء عليها ، ليزهّدوه فيها ، وقالوا : إن في عقلها شيئاً ، وإن رجلها كحافر الحمار ، وإنها شعراء الساقين ، فأراد سليمان أن يختبر عقلها بتنكير عرشها ، وينظر إلى قدميها ببناء الصرح{[39046]} .


[39040]:المختصر (110)، تفسير ابن عطية 11/212، البحر المحيط 7/87.
[39041]:انظر الكشاف 3/144، التبيان 2/1009، البحر المحيط 7/87.
[39042]:انظر البغوي 6/285.
[39043]:في ب: هنا.
[39044]:انظر الفخر الرازي 24/199.
[39045]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[39046]:انظر البغوي 6/285.