البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{بَلَىٰ قَدۡ جَآءَتۡكَ ءَايَٰتِي فَكَذَّبۡتَ بِهَا وَٱسۡتَكۡبَرۡتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلۡكَٰفِرِينَ} (59)

{ بلى } : هو حرف جواب لمنفي ، أو لداخل عليه همزة التقرير .

ولما كان قوله : { لو أن الله هداني } وجوابه متضمناً نفي الهداية ، كأنه قال : ما هداني الله ، فقيل له : { بلى قد جاءتك آياتي } مرشدة لك ، فكذبت .

وقال الزمخشري : رد من الله عليه ومعناه : بلى قد هديت بالوحي .

انتهى ، جرياً على قواعد المعتزلة .

وقال ابن عطية : وحق بلى أن تجيء بعد نفي عليه تقرير ، وقوله : { بلى } جواب لنفي مقدر ، كأن النفس قالت : فعمري في الدنيا لم يتسع للنظر ، أو قالت : فإني لم يتبين لي الأمر في الدنيا ونحو هذا . انتهى .

وليس حق بلى ما ذكر ، بل حقها أن تكون جواب نفي .

ثم حمل التقرير على النفي ، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب ، وأجابه بنعم ، ووقع ذلك أيضاً في كلام سيبويه نفسه أن أجاب التقرير بنعم اتباعاً لبعض العرب .

وقال الزمخشري : فإن قلت : هلا قرن الجواب بما هو جواب له ، وهو قوله : { لو أن الله هداني } ، ولم يفصل بينهما بآية ؟ قلت : لأنه لا يخلو ، إما أن يقدم على أخرى القرائن الثلاث فيفرق بينهن ، وإما أن تؤخر القرينة الوسطى .

فلم يحسن الأول لما فيه من تبتير النظم بالجمع بين القرائن ؛ وأما الثاني ، فلما فيه من نقض الترتيب ، وهو التحسر على التفريط في الطاعة ، ثم التعلل بفقد الهداية .

ثم تمنى الرجعة ، فكان الصواب ما جاء عليه ، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها ، ثم أجاب من بينها عما اقتضى الجواب .

انتهى ، وهو كلام حسن .

وقرأ الجمهور : { قد جائتك } ، بفتح الكاف وفتح تاء ما بعدها ، خطاباً للكافر ذي النفس .

وقرأ ابن يعمر والجحدري ، وأبو حيوة ، والزعفراني ، وابن مقسم ، ومسعود بن صالح ، والشافعي عن ابن كثير ، ومحمد بن عيسى في اختياره وعن نصير ، والعبسي : بكسر الكاف والتاء ، خطاب للنفس ، وهي قراءة أبي بكر الصديق وابنته عائشة ، رضي الله عنهما ، وروتهما أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقرأ الحسن ، والأعرج ، والأعمش : جأتك ، بالهمز من غير مد ، بوزن بعتك ، وهو مقلوب من جاءتك ، قدمت لام الكلمة وأخرت العين فسقطت الألف ، كما سقطت في رمت وعرب .