مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا} (12)

قوله تعالى : { بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا } .

يعني لم يكن تخلفكم لما ذكرتم { بل ظننتم أن لن ينقلب } وأن مخففة من الثقيلة ، أي ظننتم أنهم لا ينقلبون ولا يرجعون ، وقوله { وزين ذلك في قلوبكم } يعني ظننتم أولا ، فزين الشيطان ظنكم عندكم حتى قطعتم به ، وذلك لأن الشبهة قد يزينها الشيطان ، ويضم إليها مخايلة يقطع بها الغافل ، وإن كان لا يشك فيها العاقل ، وقوله تعالى : { وظننتم ظن السوء } يحتمل وجهين ( أحدهما ) أن يكون هذا العطف عطفا يفيد المغايرة ، فقوله { وظننتم ظن السوء } غير الذي في قوله { بل ظننتم } وحينئذ يحتمل أن يكون الظن الثاني معناه : وظننتم أن الله يخلف وعده ، أو ظننتم أن الرسول كاذب في قوله ( وثانيهما ) أن يكون قوله { وظننتم ظن السوء } هو ما تقدم من ظن أن لا ينقلبوا ، ويكون على حد قول القائل : علمت هذه المسألة وعلمت كذا ، أي هذه المسألة لا غيرها ، وذلك كأنه قال : بل ظننتم ظن أن لن ينقلب . وظنكم ذلك فاسد ، وقد بينا التحقيق في ظن السوء ، وقوله تعالى : { وكنتم قوما بورا } يحتمل وجهين ( أحدهما ) وصرتم بذلك الظن بائرين هالكين ( وثانيهما ) أنتم في الأصل بائرون وظننتم ذلك الظن الفاسد .