مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِّنَفۡتِنَهُمۡ فِيهِۚ وَمَن يُعۡرِضۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِۦ يَسۡلُكۡهُ عَذَابٗا صَعَدٗا} (17)

المسألة الخامسة : احتج أصحابنا بقوله : لنفتنهم على أنه تعالى يضل عباده ، والمعتزلة أجابوا بأن الفتنة هي الاختبار كما يقال : فتنت الذهب بالنار لا خلق الضلال ، واستدلت المعتزلة باللام في قوله { لنفتنهم } على أنه تعالى إنما يفعل لغرض ، وأصحابنا أجابوا أن الفتنة بالاتفاق ليست مقصودة فدلت هذه الآية على أن اللام ليست للغرض في حق الله . وقوله تعالى : { ومن يعرض عن ذكر ربه } أي عن عبادته أو عن موعظته ، أو عن وحيه . يسلكه ، وقرئ بالنون مفتوحة ومضمومة أي ندخله عذابا ، والأصل نسلكه في عذاب كقوله : { ما سلككم في سقر } إلا أن هذه العبارة أيضا مستقيمة لوجهين ( الأول ) : أن يكون التقدير نسلكه في عذاب ، ثم حذف الجار وأوصل الفعل ، كقوله : { واختار موسى قومه } ( والثاني ) : أن يكون معنى نسلكه أي ندخله ، يقال : سلكه وأسلكه ، والصعد مصدر صعد ، يقال : صعد صعدا وصعودا ، فوصف به العذاب لأنه يصعد [ فوق ] طاقة المعذب أي يعلوه ويغلبه فلا يطيقه ، ومنه قول عمر : ما تصعدني شيء ما تصعدتني خطبة النكاح ، يريد ما شق علي ولا غلبني ، وفيه قول آخر وهو ما روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صعدا جبل في جهنم ، وهو صخرة ملساء ، فيكلف الكافر صعودها ثم يجذب من أمامه بسلاسل ويضرب من خلفه بمقامع حتى يبلغ أعلاها في أربعين سنة ، فإذا بلغ أعلاها جذب إلى أسفلها ، ثم يكلف الصعود مرة أخرى ، فهذا دأبه أبدا ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : { سأرهقه صعودا } .