مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَقُولُونَ أَءِنَّا لَمَرۡدُودُونَ فِي ٱلۡحَافِرَةِ} (10)

ثم قالوا : { أئنا لمردودون في الحافرة } أي نرجع إلى الدنيا حتى نتحمل هذا الخوف لأجلها وقالوا أيضا : { تلك إذا كرة خاسرة } فأول هذا الكلام حكاية لحال من غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من المشركين وأوسطه حكاية لحال المنافقين وآخره حكاية لكلام المنافقين في إنكار الحشر ، ثم إنه سبحانه وتعالى أجاب عن كلامهم بقوله : { فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة } وهذا كلام أبي مسلم واللفظ محتمل له وإن كان على خلاف قول الجمهور .

قوله تعالى : { قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة } اعلم أنه تعالى لم يقل : القلوب يومئذ واجفة ، فإنه ثبت بالدليل أن أهل الإيمان لا يخافون بل المراد منه قلوب الكفار ، ومما يؤكد ذلك أنه تعالى حكى عنهم أنهم يقولون : { أئنا لمردودون في الحافرة } وهذا كلام الكفار لا كلام المؤمنين ، وقوله : { أبصارها خاشعة } لأن المعلوم من حال المضطرب الخائف أن يكون نظره نظر خاشع ذليل خاضع يترقب ما ينزل به من الأمر العظيم ، وفي الآية سؤالان :

السؤال الأول : كيف جاز الابتداء بالنكرة ؟ ( الجواب ) : قلوب مرفوعة بالابتداء وواجفة صفتها وأبصارها خاشعة خبرها فهو كقوله : { لعبد مؤمن خير من مشرك } .

السؤال الثاني : كيف صحت إضافة الأبصار إلى القلوب ؟ ( الجواب ) : معناه أبصار أصحابها بدليل قوله يقولون ، ثم اعلم أنه تعالى حكى ههنا عن منكري البعث أقوالا ثلاثة :

أولها : قوله تعالى : { يقولون أئنا لمردودون في الحافرة } يقال رجع فلان في حافرته أي في طريقه التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشيه فيها جعل أثر قدميه حفرا فهي في الحقيقة محفورة إلا أنها سميت حافرة ، كما قيل : { في عيشة راضية } و{ ماء دافق } أي منسوبة إلى الحفر والرضا والدفق أو كقولهم نهارك صائم ، ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه رجع إلى حافرته ، أي إلى طريقته وفي الحديث : ( إن هذا الأمر لا يترك على حاله حتى يرد على حافرته ) أي على أول تأسيسه وحالته الأولى وقرأ أبو حيوة في الحفرة ، والحفرة بمعنى المحفورة يقال : حفرت أسنانه ، فحفرت حفرا ، وهي حفرة ، هذه القراءة دليل على أن الحافرة في أصل الكلمة بمعنى المحفور ، إذا عرفت هذا ظهر أن معنى الآية : أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء كما كنا .