ثم قال تعالى : { يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم } ، وفي قراءة أبي { وبطونهم } وفيه سؤالات :
السؤال الأول : لا يقال أحميت على الحديد ، بل يقال : أحميت الحديد فما الفائدة في قوله : { يوم يحمى عليها } .
والجواب : ليس المراد أن تلك الأموال تحمى على النار ، بل المراد أن النار تحمى على تلك الأموال التي هي الذهب والفضة ، أي يوقد عليها نار ذات حمى وحر شديد ، وهو مأخوذ من قوله : { نار حامية } ولو قيل يوم تحمى لم يفد هذه الفائدة .
فإن قالوا : لما كان المراد يوم تحمى النار عليها ، فلم ذكر الفعل ؟
فلنا : لأن النار تأنيثها لفظي ، والفعل غير مسند في الظاهر إليه ، بل إلى قوله : { عليها } فلا جرم حسن التذكير والتأنيث وعن ابن عامر أنه قرأ { تحمى } بالتاء .
السؤال الثاني : ما الناصب لقوله : { يوم } .
الجواب : التقدير فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها .
السؤال الثالث : لم خصت هذه الأعضاء ؟
والجواب لوجوه : أحدها : أن المقصود من كسب الأموال حصول فرح في القلب يظهر أثره في الوجوه ، وحصول شبع ينتفخ بسببه الجنبان ، ولبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم ، فلما طلبوا تزين هذه الأعضاء الثلاثة ، لا جرم حصل الكي على الجباه والجنوب والظهور . وثانيها : أن هذه الأعضاء الثلاثة مجوفة ، قد حصل في داخلها آلات ضعيفة يعظم تألمها بسبب وصول أدنى أثر إليها بخلاف سائر الأعضاء . وثالثها : قال أبو بكر الوراق : خصت هذه المواضع بالذكر لأن صاحب المال إذا رأى الفقير بجنبه تباعد عنه وولى ظهره . ورابعها : أن المعنى أنهم يكوون على الجهات الأربع ، إما من مقدمه فعلى الجبهة ، وإما من خلفه فعلى الظهور ، وإما من يمينه ويساره فعلى الجنبين . وخامسها : أن ألطف أعضاء الإنسان جبينه والعضو المتوسط في اللطافة والصلابة جنبه ، والعضو الذي هو أصلب أعضاء الإنسان ظهره ، فبين تعالى أن هذه الأقسام الثلاثة من أعضائه تصير مغمورة في الكي ، والغرض منه التنبيه على أن ذلك الكي يحصل في تلك الأعضاء . وسادسها : أن كمال حال بدن الإنسان في جماله وقوته أما الجمال فمحله الوجه ، وأعز الأعضاء في الوجه الجبهة ، فإذا وقع الكي في الجبهة ، فقد زال الجمال بالكلية ، وأما القوة فمحلها الظهر والجنبان ، فإذا حصل الكي عليها فقد زالت القوة عن البدن ، فالحاصل : أن حصول الكي في هذه الأعضاء الثلاثة يوجب زوال الجمال وزوال القوة ، والإنسان إنما طلب المال لحصول الجمال ولحصول القوة .
السؤال الرابع : الذي يجعل كيا على بدن الإنسان هو كل ذلك المال أو القدر الواجب من الزكاة .
والجواب : مقتضى الآية : الكل لأنه لما يخرج منه لم يكن الحق منه جزءا معينا ، بل لا جزء إلا والحق متعلق به ، فوجب أن يعذبه الله بكل الأجزاء .
ثم إنه تعالى قال : { هذا ما كنزتم لأنفسكم } والتقدير : فيقال لهم : هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا والغرض منه تعظيم الوعيد ، لأنهم إذا عاينوا ما يعذبون به من درهم أو من دينار أو من صفيحة معمولة منهما أو من أحدهما جوزوا فيه أن يكون عن الحق الذي منعه وجوزوا خلاف ذلك ، فعظم الله تبكيتهم بأن يقال لهم هذا ما كنزتم لأنفسكم لم تؤثروا به رضا ربكم ولا قصدتم بالإنفاق منه نفع أنفسكم والخلاص به من عقاب ربكم فصرتم كأنكم ادخرتموه ليجعل عقابا لكم على ما تشاهدونه ، ثم يقول تعالى : { فذوقوا ما كنتم تكنزون } ومعناه لم تصرفوه لمنافع دينكم ودنياكم على ما أمركم الله به { فذوقوا } وبال ذلك به لا بغيره .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.