لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ} (35)

وقوله تعالى : { يوم يحمى عليها } يعني الكنوز فتدخل النار فيوقد عليها حتى تبيض من شدة الحرارة { في نار جهنم فتكوى بها جباههم } يعني الكنوز جباه كانزيها { وجنوبهم وظهورهم } قال ابن عباس : لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم في موضع على حدته . قال بعض العلماء : إنما خص هذه الأعضاء ، بالكي من بين سائر الأعضاء لأن الغني صاحب المال إذا أتاه السائل فطلب منه شيئاً تبدو منه آثار الكراهة والمنع فعند ذلك يقطب وجهه ويكلح وتجتمع أسارير وجهه فيتجعد جبينه ثم إن كرر السائل الطلب نأى بجانبه عنه ومال عن جهته وتركه جانباً ثم إن كرر الطلب وألح في السؤال ولاه ظهره وأعرض عنه واستقبل جهة أخرى وهي النهاية في الرد والغاية في المنع الدال على كراهية الإعطاء والبذل وهذا دأب ما نعى البر والإحسان . وعادة البخلاء فلذلك خص هذه الأعضاء الثلاثة بالكي يوم القيامة .

وقوله سبحانه وتعالى : { هذا ما كنزتم لأنفسكم } أي يقال لهم ذلك يوم القيامة { فذوقوا ما كنتم تكنزون } أي فذوقوا عذاب ما كنزتم في الدنيا من الأموال ومنعتم حق الله منها ( ق ) عن الأحنف بن قيس قال : قدمت المدينة فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل خشن الثياب خشن الجسد خشن الوجه فقام عليهم فقال بشر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفيه ويوضع على نغض كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه يتزلزل قال فوضع القوم رؤوسهم فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً قال فأدبر فاتبعته حتى جلس إلى سارية فقلت ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم فقال : إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً هذا لفظ مسلم وفيه زيادة لم أذكرها . وزاد البخاري قلت : من هذا ؟ قالوا : أبا ذر . قال : فقمت إليه فقلت ما شيء سمعتك تقول قبيل فقال ما قلت إلا شيئاً سمعته من نبيهم صلى الله عليه وسلم .