البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ} (35)

{ يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون } يقال : حميت الحديدة في النار أي أوقدت عليها لتحمى ، وتقول : أحميتها أدخلتها لكي تحمي أيضاً فحميت .

وقرأ الجمهور : يوم يحمى عليها بالياء ، أصله يحمى النار عليها ، فلما حذف المفعول الذي لم يسم فاعله ، وأسند الفعل إلى الجملة والمجرور ، لم تلحق التاء كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير .

وإذا حذفت القصة وقام الجار والمجرور مقامها قلت : رفع إلى الأمير ، ويدل على أنّ ذلك في الأصل مسند إلى النار ، قراءة الحسن وابن عامر في رواية تحمى بالتاء .

وقيل : من قرأ بالياء ، فالمعنى : يحمى الوقود .

ومن قرأ بالتاء فالمعنى : تحمى النار .

والناصب ليوم أليم أو مضمر يفسره عذاب أي : يعذبون يوم يحمى .

وقرأ أبو حيوة : فيكوى بالياء ، لما كان ما أسند إليه تأنيثه حقيقياً ، ووقع الفصل أيضاً ذكر ، وأدغم قوم جباههم وهي مروية عن أبي عمر وذلك في الإدغام الكبير ، كما أدغم مناسككم وما سلككم ، وخصت هذه المواضع بالكي .

قيل : لأنه في الجهة أشنع ، وفي الجنب والظهر أوجع .

وقيل : لأنها مجوفة فيصل إلى أجوافها الحر ، بخلاف اليد والرجل .

وقيل : معناه يكوون على الجهات الثلاثة مقاديمهم ومآخرهم وجنوبهم .

وقيل : لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم ، ولما طووا كشحا عن الفقير إذا جالسهم كويت ظهورهم .

وقال الزمخشري : لأنهم لم يطلبوا بأموالهم حيث لم ينفقوها في سبيل الله تعالى إلا الأغراض الدنيوية من وجاهة عند الناس وتقدّم ، وأن يكون ماء وجوههم مصوناً عندهم يتلقون بالجميل ، ويحيون بالإكرام ، ويحتشمون ، ومن أكل طيبات يتضلعون منها ، وينفخون جنوبهم ، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم .

لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« ذهب أهل الدثور بالأجور » وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه ، وتولوا بأركانهم ، وولوا ظهورهم .

وأضمر القول في هذا ما كنزتم أي : يقال لهم وقت الكي والإشارة بهذا إلى المال المكنوز ، أو إشارة إلى الكي على حذف مضاف من ما كنزتم ، أي : هذا الكي نتيجة ما كنزتم ، أو ثمرة ما كنزتم .

ومعنى لأنفسكم : لتنتفع به أنفسكم وتلتذ ، فصار عذاباً لكم ، وهذا القول توبيخ لهم .

فذوقوا ما كنتم أي : وبال المال الذي كنتم تكنزون .

ويجوز أن تكون ما مصدرية أي : وبال كونكم كانزين .

وقرىء يكنزون بضم النون .

وفي حديث أبي ذر : « بشر الكانزين برصد يحمى عليها في نار جهنم فيوضع على حلمة ثدييه وتزلزله وتكوى الجباه والجنوب والظهور حتى يلتقي الحر في أجوافهم » وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم : « الوعيد الشديد لمانع الزكاة »