وقوله تعالى : { يَوْمَ } منصوب بعذاب أليم أو بمضمر يدل عليه ذلك أي يعذبون يوم أو باذكر . وقيل : التقدير عذاب يوم والمقدر بدل من المذكور فلما حذف المضاف أقيم المضاف إليه مقامه { يحمى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ } أي توقد النار ذات حمى وحر شديد عليها ، وأصله تحمى بالنار من قولك حميت الميسم وأحميته فجعل الإحماء للنار مبالغة لأن النار في نفسها ذات حمى فإذا وصفت بأنها تحمي دل على شدة توقدها ثم حذفت النار وحول الإسناد إلى الجار والمجرور تنبيهاً على المقصود بأتم وجه فانتقل من صيغة التأنيث إلى التذكير كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير فإذا طرحت القصة وأسند الفعل إلى الجار والمجرور قلت رفع إلى الأمير . وعن ابن عامر أنه قرأ { *تحمي } بالتاء الفوقانية بإسناده إلى النار كأصله وإنما قيل { وَجَدْنَا عَلَيْهَا } والمذكور شيئان لأنه ليس المراد بهما مقداراً معيناً منهما ولا الجنس الصادق بالقليل والكثير بل المراد الكثير من الدنانير والدراهم لأنه الذي يكون كنزاً فأتى بضمير الجمع للدلالة على الكثرة ولو أتى بضمير التثنية احتمل خلافه ، وكذا يقال في قوله سبحانه : { وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [ التوبة : 34 ] وقيل : الضمير لكنوز الأموال المفهومة من الكلام فيكون الحكم عاماً ولذا عدل فيه عن الظاهر ، وتخصبص الذهب والفضة بالذكر لأنهما الأصل الغالب في الأموال لا للتخصيص أو للفضة ، واكتفى بها لأنها أكثر والناس إليها أحوج ولأن الذهب يعلم منها بالطريق الأولى مع قربها لفظاً { فتكوى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } خصت بالذكر لأن غرض الكانزين من الكنز والجمع أن يكونوا عند الناس ذوي وجاهة ورياسة بسبب الغنى وأن يتنعموا بالمطاعم الشهية والملابس البهية فوجاهتهم كان الكي بجباههم ولامتلاء جنوبهم بالطعام كووا عليها ولما لبسوه على ظهورهم كويت ، أو لأنهم إذا رأوا الفقير السائل زووا ما بين أعينهم وازوروا عنه وأعرضوا وطووا كشحاً وولوه ظهورهم واستقبلوا جهة أخرى ، أو لأنها أشرف الأعضاء الظاهرة فإنها المشتملة على الأعضاء الرئيسة التي هي الدماغ والقلب والكبد ، وقيل : لأنها أصول الجهات الأربع التي هي مقاديم البدن ومآخيره وجنبتاه فيكون ما ذكر كناية عن جميع البدن ، ويبقى عليه نكتة الاقتصار على هذه الأربع من بين الجهات الست وتكلف لها بعضهم بأن الكانز وقت الكنز لحذره من أن يطلع عليه أحد يلتفت يميناً وشمالاً وأماماً ووراءً ولا يكاد ينظر إلى فوق أو يتخيل أن أحداً يطلع عليه من تحت ؛ فلما كانت تلك الجهات الأربع مطمح نظره ومظنة حذره دون الجهتين الأخريين اقتصر عليها دونهما ، وهو مع ابتنائه على اعتبار الدفن في الكنز في حيز المنع كما لا يخفى .
وقيل : إنما خصت هذه المواضع لأن داخلها جوف بخلاف اليد والرجل ، وفيه أن البطن كذلك ، وفي جمعه مع الظاهر لطافة أيضاً ، وقيل : لأن الجبهة محل الوسم لظهورها والجنب محل الألم والظهر محل الحدود لأن الداعي للكانز على الكنز وعدم الإنفاق خوف الفقر الذي هو الموت الأحمر حيث أنه سبب للكد وعرق الجبين والاضطراب يميناً وشمالاً وعدم استقرار الجنب لتحصيل المعاش مع خلو المتصف به عما يستند إليه ويعول في المهمات عليه فلملاحظة الأمن من الكد وعرق الجبين تكوى جبهته ولملاحظة الأمن من الاضطراب والطمع في استقرار الجنب يكوى جنبه ولملاحظة استناد الظهر والاتكال على ما يزعم أنه الركن الأقوى والوزر الأوقى يكوي ظهره ، وقيل غير ذلك وهي أقوال يشبه بعضها بعضاً والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
وأياً ما كان فليس المراد أنه يوضع دينار على دينار أو درهم على درهم فيكوى بها ولا أنه يكوى بكل بأن يرفع واحد ويوضع بدله آخر حتى يؤتي على آخرها بل أنه يوسع جلد الكانز فيوضع كل دينار ودرهم على حدته كما نطقت بذلك الآثار وتظافرت به الأخبار { هذا مَا كَنَزْتُمْ } على إرادة القول وبه يتعلق الظرف السابق في قول أي يقال له يوم يحمى عليها هذا ما كنزتم { لانفُسِكُمْ } أي لمنفعتها فكان عين مضرتها وسبب تعذيبها ، فاللام للتعليل ، وأنت في تقدير المضاف في النظم بالخيار ، ولم تجعل اللام للملك لعدم جدواه { وَمَا } في قوله سبحانه : { فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } يحتمل أن تكون مصدرية أي وبال كنزكم أو وبال كونكم كانزين ورجح الأول بأن في كون كان الناقصة لها مصدر كلاماً وبأن المقصود الخبر وكان إنما ذكرت لاستحضار الصورة الماضية ، ويحتمل أن تكون موصولة أي وبال الذي تكنزونه ، وفي الكلام استعارة مكنية وتخييلية أو تبعية . وقرىء { تَكْنِزُونَ } بضم النون فالماضي كنز كضرب وقعد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.