تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ} (35)

وقوله تعالى : ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ )الآية قد جعل الله تعذيب الكفرة في الآخرة بالأسباب التي منعتهم[ في الأصل وم : منعهم ] عن طاعة الله ، ودعتهم إلى مخالفة أمره ، ويجمع بينهما في النار كقوله : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض شيطانا فهو له قرين )[ الزخرف : 36 ] وقوله ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم )[ الصافات : 22 ] ونحو ذلك . فعلى ذلك ما كنزوا ( يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ) يعذبهم بها لما منعتهم تلك الأموال عن طاعته ودعتهم إلى صد الناس عن سبيل الله ، يجعل عذابهم في الآخرة بها .

ويحتمل قوله : ( جباههم ) كناية على التقديم إلى الآخرة أي لم يقدموها ، ولم ينفقوها في سبيل الله ، وقوله ( وجنوبهم ) لما أخذوها مما يحل ومما لا يحل من كل جهة ، وقوله وظهورهم لما أنفقوها في الصد عن سبيل الله .

ويحتمل ذكر هذا إحاطة العذاب بهم من كل الجهات كقوله : ( لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش )[ الأعراف : 41 ] وقوله : ( لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل )[ الزمر : 16 ] أي يحيط العذاب بهم . فعلى ذلك هذا الله أعلم ، وكقوله ( أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة )[ الزمر : 24 ] أي يحيط بهم حتى لا يقدروا على رفعه عن وجوههم .

وقوله تعالى : ( يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ) الآية روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا جعلت له يوم القيامة صفائح ، ثم أحمي عليها من نار جهنم ثم يكوى بها جبينه وجبهته وظهره ( في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة )[ المعارج : 4 ] حتى يقضى بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار »[ مسلم 26/987 ] وقال[ في الأصل وم : و ] : «ما من صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أتى يوم القيامة تطؤه بأظلافها وتنطحه بقرونها »[ بنحوه البخاري 1402 ] ثم ذكر فيه ما ذكر في الأول فقالوا[ في الأصل وم : قالوا ] : يا رسول الله فصاحب الخيل ؟ قال : «هي لثلاث : لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر ؛ فأما من ربطها عدة في سبيل الله فإنه طول لها/213-أ/ في مرج خصيب أو في روضة خصيبة كتب الله له عدد ما أكلت حسنات وعدد أرواثها حسنات ولو انقطع طوالها له ذلك ، فاستنت شرفا أو شرفين كتب الله له عدد آثارها حسنات ، ولو مرت بنهر ثجاج[ في الأصل وم : عجاج لا ] يريد السقي به ، فشربت منه كتب الله له عدد ما شربت حسنات ومن ارتبطها فخرا وعزا على المسلمين كانت له بورا[ في الأصل وم : وزر ] يوم القيامة ، ومن ارتبطها تغنيا وتعففا ثم لم ينسى حق الله في رقابها وظهورها كانت له سترا من النار يوم القيامة »[ الطحاوي في شرح معاني الآثار5337 ] .

فإن تبث هذا الخبر عن رسول صلى الله عليه وسلم ففيه دلالة وجوب الزكاة في الخيل وهو حجة لأبي حنيفة بأنه قال : «ثم لم ينسى حق الله في رقابها وظهورها » والحق الذي في رقابها هو [ الزكاة ، والذي في ظهورها هو ][ من م ساقطة من الأصل ] الجهاد عليها ، الله أعلم .