الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ} (35)

فإن قلت : ما معنى قوله : { يُحْمَى عَلَيْهَا } ؟ وهلا قيل : تحمى ، من قولك : حمى الميسم وأحميته ، ولا تقول : أحميت على الحديد ؟ قلت : معناه أن النار تحمى عليها ، أي توقد ذات حمى وحرّ شديد ، من قوله : { نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 11 ] ولو قيل : يوم تحمى ، لم يعط هذا المعنى .

فإن قلت : فإذا كان الإحماء للنار ، فلم ذكر الفعل ؟ قلت : لأنه مسند إلى الجار والمجرور ، أصله : يوم تحمى النار عليها ، فلما حذفت النار قيل : يحمى عليها ، لانتقال الإسناد عن النار إلى عليها ، كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير ، فإن لم تذكر القصة قلت : رفع إلى الأمير وعن ابن عامر أنه قرأ : «تحمى » بالتاء . وقرأ أبو حيوة : «فيكوى » بالياء .

فإن قلت : لم خصّت هذه الأعضاء ؟ قلت : لأنهم لم يطلبوا بأموالهم - حيث لم ينفقوها في سبيل الله - إلاّ الأغراضَ الدنيوية ، ومن وجاهة عند الناس ، وتقدّم ، وأن يكون ماء وجوههم مصوناً عندهم ، يتلقون بالجميل ، ويحيون بالإكرام ، ويبجلون ويحتشمون ، ومن أكل طيبات يتضلعون منها وينفخون جنوبهم ، ومن لبس ناعمة من الثياب يطرحونها على ظهورهم ، كما ترى أغنياء زمانك هذه أغراضهم وطلباتهم من أموالهم ، لا يخطرون ببالهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذهب أهل الدثور بالأجور " وقيل : لأنهم كانوا إذا أبصروا الفقير عبسوا ، وإذا ضمهم وإياه مجلس ازوروا عنه وتولوا بأركانهم وولوه ظهورهم . وقيل : معناه يكون على الجهات الأربع مقاديمهم ومآخيرهم وجنوبهم { هذا مَا كَنَزْتُمْ } على إرادة القول . وقوله : { لأَنفُسِكُمْ } أي كنزتموه لتنتفع به نفوسكم وتلتذ وتحصل لها الأغراض التي حامت حولها وما علمتم أنكم كنزتموه لتستضر به أنفسكم وتتعذب وهو توبيخ لهم { فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } . وقرئ : «تكنزون » بضم النون أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه أو وبال كونكم كانزين .