غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَوۡمَ يُحۡمَىٰ عَلَيۡهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكۡوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمۡ وَجُنُوبُهُمۡ وَظُهُورُهُمۡۖ هَٰذَا مَا كَنَزۡتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَكۡنِزُونَ} (35)

29

{ يوم يحمى عليها } معناه أن النار تحمى عليها أي يوقد عليها نار ذات حمى وحر شديد من قوله { نار حامية } [ القارعة : 11 ] ولو قيل يوم تحمى أي الكنوز كقولك : أحميت الحديد لم يفد هذا المعنى وإنما ذكر الفعل مع أن الإحماء للنار لأنه مسند إلى الجار والمجرور بعد حذف النار كما تقول : رفعت القصة إلى الأمير . فإن لم تذكر القصة قلت : رفع إلى الأمير . { فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم } ذكر العلماء في تخصيص هذه الأعضاء بالكي وجوهاً منها . إن حصول الأموال يقصد به فرح القلب يظهر أثره في الوجه وشبع ينتفخ بسببه الجنبان ولبس ثياب فاخرة يطرحونها على ظهورهم فعورضوا بنقيض المقصود . ومنها أن هذه الأعضاء يعظم تألمها لكونها مجوّفة ولما في داخلها من الأعضاء الشريفة . ومنها أنهم يكوون على الجهات الأربع ، أما من قدام فعلى الجبهة ، وأما من خلف فعلى الظهر ، وأما من اليمين واليسار فعلى الجنبين . ومنها أن المراد وقوع الكي على كل الأعضاء لأنها إما في غاية النظافة ومثاله الجبهة ، وإما في غاية الصلابة ومثاله الظهر ، وإما متوسطة ومثاله الجنبان . ومنها أن الجمال في الوجه والقوة في الظهر والجنبين والإنسان إنما يطلب المال للجمال والقوة فعورض بإزالتهما . ومنها قول أبي بكر الوراق : خصت بالذكر لأن صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جنبيه ، وإذا قعد بجنبه تباعد وتجافى عنه وولى ظهره . وأنا أقول : يحتمل أن يراد بالجباه قدام الشخص حيث لم يقدم لنفسه خير ، أو بالظهور جهة الخلف حيث خلف ما أعقبه الحسرات وبالجنوب اليمين والشمال حيث لم يصرف المال في مرضاة الله وأنفقه في معصيته وسخطه وهذا بالتأويل أليق . ثم الذي جعل كياً هو كل ماله أو قدر الزكاة الظاهر أنه الكل لأنه لما لم يخرج منه الحق كان ذلك الجزء شائعاً في كل ماله فناسب أن يعذب بكل الأجزاء ثم قال { هذا ما كنزتم } والتقدير فيقال لهم { هذا ما كنزتم لأنفسكم } وفيه توبيخ وإشعار بأنهم عورضوا بنقيض ما قصدوا وأكد ذلك بقوله { فذوقوا ما كنتم تكنزون } ما مصدرية أو موصولة والمعنى اعرفوا وبال كونكم كانزين ، أو ذوقوا وبال المال الذي كنتم تكنزونه .

/خ37