مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ} (16)

المسألة السادسة : { ناصية } بدل من الناصية ، وجاز إبدالها من المعرفة وهي نكرة ، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة .

المسألة السابعة : قرئ ناصية بالرفع والتقدير هي ناصية ، وناصية بالنصب وكلاهما على الشتم ، واعلم أن الرسول عليه السلام لما أغلظ في القول لأبي جهل وتلا عليه هذه الآيات ، قال : يا محمد بمن تهددني وأني لأكثر هذا الوادي ناديا ، فافتخر بجماعته الذين كانوا يأكلون حطامه ، فنزل قوله تعالى : { فليدع ناديه سندع الزبانية } وفيه مسائل :

المسألة الأولى : قد مر تفسير النادي عند قوله : { وتأتون في ناديكم المنكر } قال أبو عبيدة : ناديه أي أهل مجلسه ، وبالجملة فالمراد من النادي أهل النادي ، ولا يسمى المكان ناديا حتى يكون فيه أهله ، وسمي ناديا لأن القوم يندون إليه ندا وندوة ، ومنه دار الندوة بمكة ، وكانوا يجتمعون فيها للتشاور ، وقيل : سمي ناديا لأنه مجلس الندى والجود ، ذكر ذلك على سبيل التهكم أي : اجمع أهل الكرم والدفاع في زعمك لينصروك .

المسألة الثانية : قال أبو عبيدة والمبرد : واحد الزبانية زبنية وأصله من زبنية إذا دفعته وهو متمرد من إنس أو جن ، ومثله في المعنى والتقدير عفرية يقال : فلان زبنية عفرية ، وقال الأخفش : قال بعضهم واحده الزباني ، وقال آخرون : الزابن ، وقال آخرون : هذا من الجمع الذي لا واحد له من لفظه في لغة الغرب مثل أبابيل وعباديد وبالجملة فالمراد ملائكة العذاب ، ولا شك أنهم مخصوصون بقوة شديدة . وقال مقاتل : هم خزنة جهنم أرجلهم في الأرض ورؤسهم في السماء ، وقال قتادة : الزبانية هم الشرط في كلام العرب وهم الملائكة الغلاظ الشداد ، وملائكة النار سموا الزبانية لأنهم يزبنون الكفار أي يدفعونهم في جهنم .

المسألة الثالثة : في الآية قولان : ( الأول ) : أي فليفعل ما ذكره من أنه يدعو أنصاره ويستعين بهم في مباطلة محمد ، فإنه لو فعل ذلك فنحن ندعو الزبانية الذين لا طاقة لناديه وقومه بهم ، قال ابن عباس : لو دعا ناديه لأخذته الزبانية من ساعته معاينة ، وقيل : هذا إخبار من الله تعالى بأنه يجر في الدنيا كالكلب وقد فعل به ذلك يوم بدر ، وقيل : بل هذا إخبار بأن الزبانية يجرونه في الآخرة إلى النار ( القول الثاني ) : أن في الآية تقديما وتأخيرا أي لنسفعا بالناصية وسندع الزبانية في الآخرة ، فليدع هو ناديه حينئذ فليمنعوه .