السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{نَاصِيَةٖ كَٰذِبَةٍ خَاطِئَةٖ} (16)

وقوله تعالى : { ناصية } بدل من الناصية ، قال الزمخشري : وجاز بدلها عن المعرفة وهي نكرة ؛ لأنها وصفت ، أي : ب{ كاذبة خاطئة } واستقلت بفائدة ، واعترض عليه بأنّ هذا مذهب الكوفيين فإنهم لا يجيزون إبدال نكرة من معرفة إلا بشرط وصفها ، أو كونها بلفظ الأوّل ، ومذهب البصريين لا يشترط شيئا ، والمعنى : لنأخذن بناصية أبي جهل الكاذبة في قولها ، الخاطئة في فعلها ، والخاطئ معاقب مأخوذ ، والمخطئ غير مأخوذ ، ووصفت الناصية بالكاذبة الخاطئة كوصف الوجوه في قوله تعالى : { إلى ربها ناظرة } [ القيامة : 23 ] وإنما وصفت الناصية بالكاذبة ؛ لأنه كان يكذب على الله تعالى في أنه لم يرسل محمداً صلى الله عليه وسلم ، وعلى رسوله في أنه ساحر وليس بنبي ، ووصفت بأنها خاطئة لأنّ صاحبها تمرّد على الله تعالى كما قال تعالى : { لا يأكله إلا الخاطئون } [ الحاقة : 37 ] فهما في الحقيقة لصاحبها ، وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك : ناصية كاذبٍ خاطئٍ .

وروي أنّ أبا جهل مرّ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال : ألم أنهك ؟ فأغلظ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أتنهرني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً ، فوالله لأملأنّ عليك هذا الوادي إن شئت خيلاً جرداً ورجالاً مرداً ، فأنزل الله تعالى : { فليدع ناديه } .