روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

{ واذكر عَبْدَنَا أَيُّوبَ } قال ابن إسحاق : الصحيح أنه كان من بني إسرائيل ولم يصح في نسبه شيء غير أن اسم أبيه أموص ، وقال ابن جرير : هو أيوب بن أموص بن روم بن عيص بن إسحاق عليه السلام ، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط وأن أباه ممن آمن بإبراهيم فعلى هذا كان عليه السلام قبل موسى ، وقال ابن جرير : كان بعد شعيب ، وقال ابن أبي خيثمة : كان بعد سليمان ، وقوله تعالى : { اذكر } الخ عطف على { اذكر عَبْدَنَا دَاوُودُ } [ ص : 17 ] وعدم تصدير قصة سليمان عليه السلام بهذا العنوان لكمال الاتصال بينه وبين داود عليهما السلام ، و { أَيُّوبَ } عطف بيان لعبدنا أو بدل منه بدل كل من كل ، وقوله تعالى : { إِذْ نادى رَبَّهُ } بدل اشتمال منه أو من { أَيُّوبَ } { إِنّى } أي بأني .

وقرأ عيسى بكسر همزة { إِنّى } { مَسَّنِىَ الشيطان } وقرئ بإسكان ياء { مَسَّنِىَ } وبإسقاطها { بِنُصْبٍ } بضم النون وسكون الصاد التعب كالنصب بفتحتين ، وقيل : هو جمع نصب كوثن ووثن ، وقرأ أبو جعفر . وشيبة . وأبو عمارة عن حفص . والجعفي عن أبي بكر . وأبو معاذ عن نافع بضمتين وهي لغة ، ولا مانع من كون الضمة الثانية عارضة للاتباع ، وربما يقال : إن في ذلك رمزاً إلى ثقل تعبه وشدته ، وقرأ زيد بن علي . والحسن . والسدي . وابن أبي عبلة . ويعقوب . والجحدري بفتحتين وهي لغة أيضاً كالرشد والرشد ، وقرأ أبو حيوة . ويعقوب في رواية وهبيرة عن حفص بفتح النون وسكون الصاد ، قال الزمخشري : على أصل المصدر ، ونص ابن عطية على أن ذلك لغة أيضاً قال : بعد ذكر القراآت : وذلك كله بمعنى واحد وهو المشقة وكثيراً ما يستعمل النصب في مشقة الاعياء .

وفرق بعض الناس بين هذه الألفاظ والصواب أنها لغات بمعنى من قولهم أنصبني الأمر إذا شق علي انتهى .

/ والتنوين للتفخيم وكذا في قوله تعالى : { وَعَذَابٍ } وأراد به الألم وهو المراد بالضر في قوله : { أَنّى مَسَّنِىَ الضر } .

وقيل : النصب والضر في الجسد والعذاب في الأهل والمال ، وهذا حكاية لكلامه عليه السلام الذي نادى به ربه عز وجل بعبارته وإلا لقيل إنه مسه الخ بالغيبة ، وإسناد المس إلى الشيطان قيل على ظاهره وذلك أنه عليه اللعنة سمع ثناء الملائكة عليهم السلام على أيوب عليه السلام فحسده وسأل الله تعالى أن يسلطه على جسده وماله وولده ففعل عز وجل ابتلاءً له ، والقصة مشهورة .

وفي بعض الآثار أن الماس له شيطان يقال له مسوط ، وأنكر الزمخشري ذلك فقال : لا يجوز أن يسلط الله تعالى الشيطان على أنبيائه عليهم السلام ليقضي من إتعابهم وتعذيبهم وطره ، ولو قدر على ذلك لم يدع صالحاً إلا وقد نكبه وأهلكه ، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب ، وجعل إسناد المس أليه هنا مجازاً فقال : لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله تعالى به من النصب والعذاب نسبه إليه ، وقد راعى عليه السلام الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله سبحانه في دعائه مع أنه جل وعلا فاعله ولا يقدر عليه إلا هو ، وهذه الوسوسة قيل وسوسته إليه عليه السلام أن يسأل الله تعالى البلاء ليمتحن ويجرب صبره على ما يصيبه كما قال شرف الدين عمر بن الفارض

. وبما شئت في هواك اختبرني *** فاختياري ما كان فيه رضاكا

وسؤاله البلاء دون العافية ذنب بالنسبة لمقامه عليه لا حقيقة ، والمقصود من ندائه بذلك الاعتراف بالذنب .

وقيل إن رجلاً استغاثه على ظالم فوسوس إليه الشيطان بترك إغاثته فلم يغثه فمسه الله تعالى بسبب ذلك بما مسه .

وقيل : كانت مواشيه في ناحية ملك كافر فداهنه ولم يغزه وسوسة من الشيطان فعاتبه الله تعالى بالبلاء ، وقيل وسوس إليه فأعجب بكثرة ماله وولده فابتلاه الله تعالى لذلك وكل هذه الأقوال عندي متضمنة ما لا يليق بمنصب الأنبياء عليهم السلام . وذهب جمع إلى أن النصب والعذاب ليسا ما كانا له من المرض والألم أو المرض وذهاب الأهل والمال بل أمران عرضا له وهو مريض فاقد الأهل والمال فقيل هما ما كانا له من وسوسة الشيطان إليه في مرضه من عظم البلاء والقنوط من الرحمة والإغراء على الجزع كان الشيطان يوسوس إليه بذلك وهو يجاهده في دفع ذلك حتى تعب وتألم على ما هو فيه من البلاء فنادى ربه يستصرفه عنه ويستعينه عليه { أَنّى مَسَّنِىَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } وقيل كانا من وسوسة الشيطان إلى غيره فقيل : إن الشيطان تعرض لامرأته بصورة طبيب فقالت له : إن ههنا مبتلى فهل لك أن تداويه فقال : نعم بشرط أن يقول : إذا شفيته أنت شفيتني فمالت لذلك وعرضت كلامه لأيوب عليه السلام فعرف أنه الشيطان وكان عليه ذلك أشد مما هو فيه { فنادى رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ } الخ ؛ وقيل : إن الشيطان طلب منها أن تذبح لغير الله تعالى إذا عالجه وبرأ فمالت لذلك فعظم عليه عليه السلام الأمر فنادى ، وقيل : إنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل له : ألقى إليه الشيطان أن الله تعالى لا يبتلي الأنبياء والصالحين فتألم من ذلك جداً فقال ما قال وفي رواية مر به نفر من بني إسرائيل فقال بعضهم لبعض : ما أصابه هذا إلا بذنب أصابه وهذا نوع من وسوسة الشيطان فعظم عليه ذلك فقال ما قال ، والإسناد على جميع ما ذكر باعتبار الوسوسة ، وقيل : غير ذلك والله تعالى أعلم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

أي : { وَاذْكُرْ } في هذا الكتاب ذي الذكر { عَبْدَنَا أَيُّوبَ } بأحسن الذكر ، وأثن عليه بأحسن الثناء ، حين أصابه الضر ، فصبر على ضره ، فلم يشتك لغير ربه ، ولا لجأ إلا إليه .

ف { نَادَى رَبَّهُ } داعيا ، وإليه لا إلى غيره شاكيا ، فقال : رب { أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } أي : بأمر مشق متعب معذب ، وكان سلط على جسده فنفخ فيه حتى تقرح ، ثم تقيح بعد ذلك واشتد به الأمر ، وكذلك هلك أهله وماله .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

قوله عز وجل :{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب } بمشقة وضر . قرأ أبو جعفر : ( ( بنصب ) ) بضم النون والصاد ، وقرأ يعقوب بفتحهما ، وقرأ الآخرون بضم النون وسكون الصاد ، ومعنى الكل واحد . قال قتادة و مقاتل : بنصب في الجسد ، وعذاب في المال . وقد ذكرنا قصة أيوب ومدة ابتلائه في سورة الأنبياء عليهم السلام .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه} إذ قال لربه: {أني مسني الشيطان}: أصابني الشيطان.

{بنصب} مشقة في جسده {وعذاب} في ماله.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:"وَاذْكُرْ" أيضا يا محمد "عَبْدَنا أيّوبَ إذْ نادَى رَبّهُ "مستغيثا به فيما نزل به من البلاء: يا ربّ إنّي "مَسّنِيَ الشّيْطانُ بِنُصْبٍ"... معنى النّصب في هذا الموضع: العلة التي نالته في جسده والعناء الذي لاقى فيه، والعذاب في ذهاب ماله...

عن قتادة: "وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيّوبَ" حتى بلغ "بِنُصْبٍ وَعَذابٍ": ذهاب المال والأهل، والضرّ الذي أصابه في جسده...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

لا ندري ما الذي كان من الله من تمكين الشيطان عليه حتى أضاف ذلك إلى الشيطان، وليس لنا أن نقول: إنه مكن عليه كذا، وفعل كذا في كذا، إلا أن يثبت عن الله، ثم وجه الحكمة من تمكين الشيطان على أوليائه في ما مكن في أمر الدين؛ لتعلم جهة الفضل من جهة العدل، وجهة الحلم من جهة الرحمة، وأن له [أن] يمتحن عباده بما شاء وكيف شاء من أنواع الشدائد والبلايا على أيدي من شاء بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك، وله أن يجتبي إلى من شاء من أنواع الخير والنعم ابتداء بلا أسباب كانت منهم يستوجبون بها ذلك، فعلى ذلك بلاء أيوب عليه السلام والشدائد التي أصابته؛ جائز أن يكون بلا سبب كان منه يستوجب ذلك، ولكن ابتدأه امتحانا منه إياه بذلك.

{مسني الشيطان بنصب وعذاب} إنه وإن أضاف إليه، فهو في الحقيقة من الله لما أخبر أنه على يديه كقوله عز وجل: {يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم}.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

إن قلت: لم نسبه إلى الشيطان، وقد تكرّر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب؟ قلت: لما كانت وسوسته إليه وطاعته له فيما وسوس سبباً فيما مسه الله به من النصب والعذاب، نسبه إليه، وقد راعى الأدب في ذلك حيث لم ينسبه إلى الله في دعائه، مع أنه فاعله ولا يقدر عليه إلا هو...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{واذكر عبدنا} أي الذي هو أهل للإضافة إلى عظيم جنابنا، وبينه بقوله: {أيوب} وهو من الروم من أولاد عيص بن إسحاق عليهم السلام؛ لتتأسى بحاله فنصبر على قومك وإن رأيت ما لا صبر لك عليه دعوت الله في إصلاحه.

ولما أمره بذكره، بين أن معظم المراد بعض أحواله الشريفة ليتأسى به فقال مبدلاً منه بدل اشتمال: {إذ} أي اذكر حاله الذي كان حين: {نادى} وصرف القول عن مظهر العظمة إلى صفة الإحسان؛ لأنه موطنه لاقتضاء حاله ذلك فقال: {ربه} أي المحسن إليه الذي عرف إحسانه إليه في تربيته ببلائه كما عرف امتنانه بظاهر نعمائه وآلائه، ثم ذكر المنادى به حاكياً له بلفظه فقال مشيراً بالتأكيد إلى أنه -وإن كان حاله فيما عهد من شدة صبره مقتضياً عدم الشكوى- أتاه ما لا صبر عليه: {إني} أي رب أدعوك بسبب أني.

ولما كان هنا في سياق التصبير، عظم الأمر بإسناد الضر إلى أعدى الأعداء إلهاباً إلى الإجابة وأدباً مع الله فقال: {مسّني} أي وأنا من أوليائك.

{الشيطان} أي المحترق باللعنة البعيد من الرحمة بتسليطك له.

{بنصب} أي ضر ومشقة وهم وداء ووجع وبلاء يثقل صاحبه فيتعبه ويعييه ويكده ويجهده ويصل به إلى الغاية من كل ذلك، وقرئ بضم الصاد أيضاً وقرئ بالتحريك كالرُشد والرَشد، وكان ذلك إشارة إلى أحوال الضر في الشدة والخفة فالمسكن أدناه، والمحرك أوسطه، والمثقل بالضم أعلاه.

{وعذاب} أي نكد قوي جداً دائم مانع من كل ما يلذ، ويمكن أن يساغ ويستطعم أجمله، ونكره تنكير لتعظيم استغنائه على وجازته عن جمل طوال ودعاء عريض إعلاماً بأن السيل قد بلغ الزبى، وأوهن البلاء القوى، ولم يذكره بلفظ إبليس الذي هو من معنى اليأس وانقطاع الرجاء دلالة على أنه هو راج فضل الله غير آيس من روحه، وذلك أن الله تعالى سلطه على إهلاك أهله وولده وماله فصبر ثم سلطه على بدنه إلى أن سقط لحمه واستمر على ذلك مدداً طوالاً...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

قصة ابتلاء أيوب وصبره ذائعة مشهورة؛ وهي تضرب مثلاً للابتلاء والصبر، ولكنها مشوبة بإسرائيليات تطغى عليها، والحد المأمون في هذه القصة هو أن أيوب -عليه السلام- كان كما جاء في القرآن عبداً صالحاً أوّاباً؛ وقد ابتلاه الله فصبر صبراً جميلاً، ويبدو أن ابتلاءه كان بذهاب المال والأهل والصحة جميعاً، ولكنه ظل على صلته بربه وثقته به، ورضاه بما قسم له، وكان الشيطان يوسوس لخلصائه القلائل الذين بقوا على وفائهم له -ومنهم زوجته- بأن الله لو كان يحب أيوب ما ابتلاه، وكانوا يحدثونه بهذا فيؤذيه في نفسه أشد مما يؤذيه الضر والبلاء. فلما حدثته امرأته ببعض هذه الوسوسة حلف لئن شفاه الله ليضربنها عدداً عينه -قيل مائة. وعندئذ توجه إلى ربه بالشكوى مما يلقى من إيذاء الشيطان، ومداخله إلى نفوس خلصائه، ووقع هذا الإيذاء في نفسه: (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب).. فلما عرف ربه منه صدقه وصبره، ونفوره من محاولات الشيطان، وتأذيه بها، أدركه برحمته. وأنهى ابتلاءه، ورد عليه عافيته...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

إذ كانت تعدية فعل {اذكر} إلى اسم أيوب على تقدير مضاف؛ لأن المقصود تذكّر الحالة الخاصة به كان قوله: {إذ نادى ربّه} بدل اشتمال من أيوب؛ لأن زمن ندائه ربَّه مما تشتمل عليه أحوال أيّوب، وخص هذا الحال بالذكر من بين أحواله؛ لأنه مظهر توكّله على الله واستجابة الله دعاءه بكشف الضر عنه...

وظاهر إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان أن الشيطان مسّ أيوب بهما، أي أصابه بهما حقيقة مع أن النصب والعذاب هما الماسان أيوب، ففي سورةَ

[الأنبياء: 83] {أني مسني الضر} فأسند المسّ إلى الضر، والضرّ هو النصب والعذاب، وتردّدت أفهام المفسرين في معنى إسناد المسّ بالنُّصب والعذاب إلى الشيطان، فإن الشيطان لا تأثير له في بني آدم بغير الوسوسة كما هو مقرر من مُكرر آيات القرآن وليس النُّصب والعذاب من الوسوسة ولا من آثارها. وتأولوا ذلك على أقوال تتجاوز العشرة وفي أكثرها سماجة وكلها مبني على حملهم الباء في قوله: {بِنُصبٍ} على أنها باء التعدية لتعدية فعل {مَسَّنِي}، أو باء الآلة مثل: ضربه بالعصا، أو يؤول النُّصب والعذاب إلى معنى المفعول الثاني من باب أعطى.

والوجه عندي: أن تحمل الباء على معنى السببية بجعل النُّصْب والعذاب مسببين لمسّ الشيطان إياه، أي مسنّي بوسواس سببه نُصْب وعذاب، فجعل الشيطان يوسوس إلى أيوب بتعظيم النُّصْب والعذاب عنده، ويلقي إليه أنه لم يكن مستحقاً لذلك العذاب ليلقي في نفس أيوب سوء الظن بالله أو السخط من ذلك.

أو تحمل البَاء على المصاحبة، أي مسّني بوسوسة مصاحبة لضرّ وعذاب، ففي قول أيوب {أني مسَّني الشيطانُ بنُصبٍ وعذابٍ} كناية لطيفة عن طلب لطف الله به ورفع النُّصب والعذاب عنه بأنهما صارا مدخلاً للشيطان إلى نفسه فطلب العصمة من ذلك على نحو قول يوسف عليه السّلام: {وإلاَّ تصرف عنّي كيدَهن أَصْبُ إليهن وأكنْ من الجاهلين} [يوسف: 33]. وتنوين « نصب وعذاب» للتعظيم أو للنوعية، وعدل عن تعريفهما لأنهما معلومان لله.