تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } ثم لا ندري ما الذي كان من الله من تمكين الشيطان عليه حتى أضاف ذلك إلى الشيطان ، وليس لنا أن نقول : إنه مكن عليه كذا ، وفعل كذا في كذا ، وفعل به كذا إلا أن يثبت عن الله .

ثم وجه الحكمة من تمكين الشيطان على أوليائه في ما مكن في أمر الدين لتعلم جهة الفضل من جهة العدل ، وجهة الحلم من جهة الرحمة ، وأن له يمتحن عباده بما شاء وكيف شاء من أنواع الشدائد والبلايا على أيدي من شاء بلا أسباب كانت منهم ، يستوجبون بها ذلك ، وله أن يجتبي إلى من شاء من أنواع الخير والنعم ابتداء بلا أسباب كانت منهم ، يستوجبون بها ذلك .

فعلى ذلك بلاء أيوب عليه السلام والشدائد التي أصابته ؛ جائز أن يكون بلا سبب كان منه ، يستوجب ذلك . ولكن ابتدأه امتحانا منه إياه بذلك .

ثم قوله : { مسني الشيطان بنصب وعذاب } إنه ، وإن أضاف إليه ، فهو في الحقيقة من الله لما أخبر أنه على يديه كقوله عز وجل : { يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم } [ التوبة : 14 ] أخبر أن حقيقة العذاب منه ، وإن كان على أيديهم يجري ذلك ، وهو كقوله : { وإن يمسسك الله بضر } [ الأنعام : 17 ] أي ما يمس الإنسان من ضر يكون على يدي آخر ، ويكون من الله ، وله في ذلك صنع وفعل لا على ما يقوله المعتزلة : أن لا صنع لله في فعل العباد .

وأخبر أنه لو أراد بأحد ضرا ، ومسه بذلك { فلا كاشف له } لذلك الضر ، ولا دافع ، وأنه لو أراد خيرا بأحد لا راد لذلك الفضل غيره . فهو على المعتزلة أيضا .

وقوله تعالى : { بنصب } ونُصُب ونَصْب واحد ، وهو تعب ، وكذلك يقول القتبي : النُّصْبُ والنَّصَبُ واحد ، مثل حُزْن وحَزَن ، وهو العناء والتعب . وقال أبو عبيدة : النصب الشر والنصب الإعياء .

ومنهم من يقول : إن أحدهما في ما يصيب ظاهر جسده ، والآخر في ما يصيب باطنه ، والله أعلم .