الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

قوله تعالى ذكره : { واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه } – إلى قوله – { إنه أواب }[ 40-43 ] ، أي : واذكر يا محمد أيوب إذ{[58369]} نادى ربه مستغيثا به مما نزل به .

{ إني مسني الشيطان بنصب وعذاب } .

قال قتادة : هو ذهاب المال والأهل ، والضر الذي أصابه في جسده ، ابتُلي سبع سنين وأشهرا ملقى على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده ، ففرج الله عنه ، وعظم له الأجر ، وأحسن عليه{[58370]} الثناء{[58371]} .

قال السدي : معناه : بنصب في جسدي ، وعذاب في مالي{[58372]} .

وروى الطبري عن وهب بن منبه أنه قال : كان أيوب صلى الله عليه وسلم رجلا من الروم من ذرية عيصا بن إسحاق بن إبراهيم . ومن الرواة من يقول في عيصا : العيص بن إسحاق{[58373]} .

وروي أن أيوب تزوج ابنة يعقوب واسمها ليا ، وهي التي أقسم أيوب ليضربها مائة ضربة ، فبر الله عز وجل يمينه . وكانت أم أيوب بنت لوط .

وقيل : كانت زوجة أيوب : رحمة ابنة{[58374]} أفريق بن يوسف بن يعقوب{[58375]} .

قال وهب : إن إبليس اللعين سمع تجاوب ملائكة السماوات بالصلاة على أيوب حين ذكر{[58376]} ربه وأثنى عليه ، فأدرك إبليس الحسدُ والبغيُ ، فسأل الله عز وجل أن يسلطه عليه ليفتنه عن دينه ، فسلط على ماله دون جسده وعقله ، فأذهب الله ماله كله ، فشكر أيوب ربه عز وجل ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه سبحانه . فسأل إبليس الله عز وجل أن يُسلطه على ولده ، فأهلك ولده ، فشكر أيوب ربه ولم يغيره ذلك عن عبادة ربه تعالى . فسأل إبليس الله أن يسلطه على جسده ، فسلط عليه دون لسانه وقلبه وعقله ، فجاءه وهو ساجد فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده ، فصار أمره إلى أن تناثر لحمه ، فأخرجه أهل القرية من القرية إلى كناسة خارج القرية ، فلم يغيره ذلك عن ذكر{[58377]} ( ربه وعبادته ){[58378]} . قال ابن عباس : لما أصاب أيوب البلاء ، أخذ إبليس تابوتا وقعد على الطريق يداوي الناس . فجاءته امرأة أيوب ، فقالت له : أتداوي رجلا به علة كذا وكذا ؟

قال : نعم بشرط على أني ( إن شفيته قال لي ){[58379]} : أنت شفيتني لا أريد منه / أجرا غير هذا . فجاءت{[58380]} امرأة أيوب إلى أيوب ، فقال : ذلك الشيطان ! والله لئن بَرَأت لأضربنك مائة فلما برأ أخذ شمراخا فيه مائة عرجون فضربها به ضربة{[58381]} .

فيكون ( النُّصْبُ ) على هذا ، ما ألقاه الشيطان إليه ووسوس به إلى امرأته .

وقرأ الحسن : ( بَنَصَبٍ ) بفتح النون والصاد{[58382]} . وهما لغتان ، كالحُزْن والحَزَن .

وقيل : من ضم النون جعله جمع نَصَب ، ( كوَثَن وَوُثْن{[58383]} ) .

فأما قوله : { وما ذبح على النصب }{[58384]} فهو جمع نصاب .


[58369]:ح: حين.
[58370]:في طرة ح.
[58371]:انظر: جامع البيان 23/106 وورد في المحرر الوجيز 14/36 مع زيادة ونقص.
[58372]:جامع البيان 23/106.
[58373]:انظر: تاريخ الطبري 1/165.
[58374]:ح: بنت.
[58375]:ح: يعقوب صلى الله عليه وسلم.
[58376]:ح: ذكره.
[58377]:ع: أمر.
[58378]:ح: ربه سبحانه وعبادته جلت عظمته.
[58379]:ح: إذا أشفيته يقول.
[58380]:ح: فجاءته.
[58381]:انظر : أحكام القرآن للهراسي 2/461، وأحكام القرآن لابن العربي 4/1651، وجامع القرطبي 15/212.
[58382]:انظر: معاني الفراء 3/405. وفي جامع البيان 23/107: حُكِيَتْ عن أبي جعفر المدني. وفي إعراب النحاس 3/465 عن الحسن وعاصم والجحدري ويعقوب الحضرمي، وخَطَّأ النحاس من نسبها ليزيد ابن القعقاع. أما ابن عطية والقرطبي فقد أكدا على أنها قراءة عاصم الجحدري ويعقوب الحضرمي، وأنها رُويت عن الحسن. انظر: المحرر الوجيز 14/37 وجامع الطبري 15/207.
[58383]:ح: كوتر ووتر. وانظر: إعراب النحاس 3/465.
[58384]:المائدة: 4.