جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَاذْكُرْ عَبْدَنَآ أَيّوبَ إِذْ نَادَىَ رَبّهُ أَنّي مَسّنِيَ الشّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وَاذْكُرْ أيضا يا محمد عَبْدَنا أيّوبَ إذْ نادَى رَبّهُ مستغيثا به فيما نزل به من البلاء : يا ربّ إنّي مَسّنِيَ الشّيْطانُ بِنُصْبٍ فاختلفت القرّاء في قراءة قوله : بنُصْبٍ فقرأته عامة قرّاء الأمصار خلا أبي جعفر القارىء : بِنُصْبٍ بضم النون وسكون الصاد ، وقرأ ذلك أبو جعفر : بضم النون والصاد كليهما ، وقد حُكي عنه بفتح النون والصاد والنّصْب والنّصَب بمنزلة الحُزْن والحَزَن ، والعُدم والعَدَم ، والرّشْد والرّشَد ، والصّلْب والصّلَب . وكان الفرّاء يقول : إذا ضُمّ أوّله لم يثقل ، لأنهم جعلوهما على سِمَتين : إذا فتحوا أوّله ثقّلوا ، وإذا ضموا أوّله خفّفوا . قال : وأنشدني بعض العرب :

لَئِنْ بَعَثَتْ أُمّ الحُمَيْدَيْنِ مائِرا *** لَقَدْ غَنَيَتْ في غَيرِ بُؤْسٍ ولا جُحدِ

من قولهم : جَحِد عيشه : إذا ضاق واشتدّ قال : فلما قال جُحْد خَفّف . وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين : النّصُب من العذاب . وقال : العرب تقول : أنصبني : عذّبني وبرّح بي . قال : وبعضهم يقول : نَصَبَني ، واستشهد لقيله ذلك بقول بشر بن أبي خازم :

تَعَنّاكَ نَصْبٌ مِن أُمَيْمَةَ مُنْصِبُ *** كَذِي الشّجْوِ لَمّا يَسْلُه وسيَذْهَبُ

وقال : يعني بالنّصْب : البلاء والشرّ ومنه قول نابغة بني ذُبيان :

كِلِينِي لِهَمّ يا أمَيْمَةَ ناصِبِ *** وَلَيْلٍ أُقاسِيهِ بَطِيءِ الكَوَاكِبِ

قال : والنّصَب إذا فُتحت وحُرّكت حروفها كانت من الإعياء . والنّصْب إذا فُتح أوله وسكن ثانيه : واحد أنصاب الحرم ، وكلّ ما نصب علما وكأن معنى النّصب في هذا الموضع : العلة التي نالته في جسده والعناء الذي لاقى فيه ، والعذاب في ذهاب ماله .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، وذلك الضمّ في النون والسكون في الصاد .

وأما التأويل فبنحو الذي قلنا فيه قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيّوبَ حتى بلغ : بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ) : ذهاب المال والأهل ، والضرّ الذي أصابه في جسده ، قال : ابتُلِي سبع سنين وأشهرا مُلقى على كُناسة لبني إسرائيل تختلف الدوابّ في جسده ، ففرّج الله عنه ، وعظّم له الأجر ، وأحسن عليه الثناء .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : مَسّنِيَ الشّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ قال : نصب في جسدي ، وعذاب في مالي .

حُدثت عن المحاربيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك : ( أنّي مَسّنِيَ الشّيْطانُ بنُصْبٍ ) يعني : البلاء في الجسد وَعَذابٍ قوله : ( وَما أصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ )