التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَٱذۡكُرۡ عَبۡدَنَآ أَيُّوبَ إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥٓ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلشَّيۡطَٰنُ بِنُصۡبٖ وَعَذَابٍ} (41)

الشيطان : هنا مرادف لإبليس ومفهومه .

نصب : شقاء أو بلاء أو مرض .

{ واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان } : وهذه حلقة ثالثة من السلسلة . وهي استمرار للسياق والموضوع والهدف على ما ذكرناه سابقا . والخطاب في الآية موجه للنبي صلى الله عليه وسلم كما وجه إليه في أول السلسلة . وهناك أمر له بالصبر على ما يقول الكفار ، وهنا أمر له بالتذكر بما وقع لأيوب وما كان منه . والخطاب يحتمل أن يتضمن أمر ذكر ذلك للمسلمين أو للسامعين وتذكيرهم به بطبيعة الحال . وعبارة الآيات واضحة لا تحتاج إلى بيان آخر .

وهذه أول مرة يرد فيها اسم أيوب عليه السلام . وقد تكرر وروده بعد ذلك . ومن أسفار العهد القديم سفر خاص به احتوى قصته مفصلة . وهي متفقة مع الإشارات المقتضبة الواردة عنه في الآيات القرآنية مع الفارق في الأسلوب ، من حيث إنها في السفر قصة وسيرة ، وفي الآيات لم تقصد لذاتها وإنما قصد منها العظة والعبرة والذكرى .

وملخص القصة في السفر أن أيوب كان نبيا وكان صاحب مال وافر وأنعام وأولاد وأهل ، متمتعا برفاه العيش ورغد الحياة . وكان يقوم بواجب الشكر لله على نعمه . وأن حوارا جرى بين الله والشيطان في صدده فقال هذا لله : إن أيوب إنما يشكره على نعمه ، وإنه لن يلبث أن يجحده لو سلبها منه ، فأخذ الله يمتحنه ببلاء بعد بلاء باقتراح من الشيطان إلى أن هلك أولاده ومواشيه وأمواله بكوارث ساحقة متلاحقة ، ثم ابتلي بأمراض في جسمه وقروح في جسده . وحاول الشيطان إغواءه وتغيير قلبه وروحه فأخفق وثبت أيوب في الامتحان وظل متمسكا بالصبر والإنابة والخضوع لله لا يدعو إلا الله للتفريج عنه . وحينئذ شمله الله برحمته ونعمته ثانية فأنبط الله له ماء كان له في شربه والاغتسال به البرء والشفاء ، ورد عليه ما فقده من مال ومواش وولد ، ومنحه المزيد من نعمته ، ولقد كانت امرأته تقوم على خدمته بإخلاص غير أنها كانت أحيانا تظهر التذمر والتألم مما حل بهم من بلاء ومصائب ، فاعتبر أيوب عليه السلام ذلك منها تمردا على الله ، فأقسم أن يجلدها مائة جلدة إن شفاه الله . فأوحى الله إليه بأن يضربها مرة واحدة بحزمة من القش فيها مئة عود فلا يحنث بيمينه بسبب ما كان منها من إخلاص وحسن وفاء هي الأخرى .

والمرجح أن قصة أيوب عليه السلام مما كان متداولا وغير مجهول من السامعين فاكتفت الآيات بالإشارة إليها باقتضاب متسق معها ؛ لأن الهدف منها فيها هو الموعظة والتذكير والدعوة إلى التأسي والاعتبار .

ولقد أسهب المفسرون في قصته كثيرا . وفيما ذكروه ما هو متطابق مع قصته في السفر ، ومنها الزائد الذي يمكن أن يكون مما هو متداول على هامش القصة حسب العادة ، ولا يبعد أن يكون مما ورد في أسفار وقراطيس لم تصل إلينا . وقد اكتفينا بتلخيص القصة ؛ لأنها لم ترد في القرآن لذاتها .